تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تنطبقان حال النطق بالميم، ولا تنفتحان إلا بالحرف الذي بعدها، وكذا ينبغي أن يكون العمل في الباء، فإن شرعت في فتح الشفتين قبل تمام لفظ الميم، سرى التحريك إلى الميم، وهو من اللحن الخفي الذي ينبغي التَّحَرُّزُ منه، ثم تلفظ بالباء متصلة بالميم، ومعها تنفتح الشفتان بالحركة، وَلْيُحْرَزْ عليها ما تستحقه من الشدة والقلقلة " (2).

وهذا النص وإن كان يختص بنطق الميم المنقلبة عن النون الواقعة قبل الباء في مثل {أن م بُورِكَ} فإنه ينطبق على نطق الميم الساكنة قبل الباء في مثل: {وما لَهُمْ بِه}، يؤكد ذلك قول عبد الوهاب القرطبي (ت 461 هـ):" فلا يوجد في اللفظ فرق بين قوله: {أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} [الرعد:33]، {أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8]، وبين قوله: {أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ} [نوح:17]، {أَنْبِئُونِي} [البقرة:31]، سواء كان ما قبل الباء نوناً أو ميماً، لا فرق بينهما، كله في اللفظ سواء" (3)، كما يدل عليه عدم تفريق أهل الأداء في زماننا بين الحالتين.

والمالقي، صاحب القول السابق، قال عنه ابن الجزري:" أستاذ كبير، شرحَ كتاب التيسير شرحاً حسناً، أفاد فيه وأجاد" (4)، قرأ على عدد من شيوخ الإقراء في زمانه، منهم الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن أبي الأحوص المعروف بابن الناظر (ت 680هـ) قاضي المرية ومالقة، والذي قال عنه ابن الجزري:" الأستاذ المجوِّد ... تصدر للإقراء بمالقة، وألَّف كتاباً كبيراً حسناً في التجويد، سمَّاه: الترشيد، قال أبو حيَّان: رحلت إليه قصداً من غرناطة لأجل الإتقان والتجويد " (5).

والتعريف بالمالقي وكتابه يحتمل تفصيلاً أكثر من هذا، لكن خشية الإطالة تمنع من ذلك الآن، ولعل القارئ يدرك مما ذكرته عنه منزلة الرجل وعلو قدره في علم التجويد، وقيمة رأيه العلمي في الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه، وأحسب أن قوله السابق مستغن عن التعليق، لوضوح دلالته على وجوب انطباق الشفتين عند نطق الميم الساكنة قبل الباء، بل هو يجعل انفتاحهما من اللحن الخفي!

(2) الدليل العقلي:

إن مذهب من يفتح شفتيه في نطق الميم الساكنة قبل الباء يثير إشكالاً صوتيّاً، لأن التأثر بين الأصوات المتجاورة يخضع لضوابط أو قوانين محددة، ونُطْقُ كلا الصوتين الميم والباء يقتضي انطباق الشفتين، والفرق بينهما أن النَّفَسَ يجري مع الميم من الأنف، ويخرج مع الباء من الشفتين، وانفراج الشفتين أو انفتاحهما قليلاً في مذهب بعض القراء يأتي بعنصر صوتي جديد لا وجود له في العملية النطقية، كما أنه قد يزيد العملية النطقية صعوبة، ومن ثَمَّ فإن ذلك يرجح مذهب من يطبق شفتيه، على نحو ما يتضح من البيان الآتي:

(أ) انفتاح الشفتين يضيف عنصراً صوتيّاً جديداً:

يخضع التغير الذي يلحق الأصوات اللغوية بسبب المجاورة في التركيب إلى ضوابط مطّردة، أو قوانين صوتية ثابتة، ومن تلك القوانين أن التأثر بين صوتين متجاورين لا يأتي بعناصر صوتية جديدة ليست في أحد ذينك الصوتين، فأي تغيير صوتي يلحق أحد الصوتين إنما يستمده من مكونات الصوت المجاور له، فتجاور صوتين أحدهما مجهور والآخر مهموس قد يؤدي إلى تأثر أحدهما بالآخر في إحدى هاتين الصفتين، وكذلك تجاور صوتين في أحدهما صفة الإطباق قد يؤدي إلى تأثر الصوت الآخر بها، ويمكن ملاحظة ذلك في مثل قول الله تعالى: {قَدْ تَبَيَّنَ} [البقرة:256]، {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ} [الأحزاب:13]. وصفة انفراج الشفتين أو انفتاحهما التي تظهر في مذهب بعض أهل الأداء عند إخفاء الميم الساكنة عند الباء ليست من مكونات أيٍّ من الصوتين، ومن ثَمَّ فإن ذلك جاء خارجاً عن القوانين الصوتية التي تخضع لها ظاهرة التأثر بين الأصوات المتجاورة في السلسلةالكلامية.

(ب) انفتاح الشفتين يزيد النطق صعوبة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير