تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(ثم نشأ عن طبيعة الجزيرة العربية وحتمية انتقال العرب وراء الماء وطلباً للكلأ، نشأ النظام القبلي كضرورة اجتماعية، وحيوية حتى يتنقلوا في جماعات عشائر توفر لأفرادها الحماية والأمن .. ولم يقتصر وجودها على البادية بل تعداها إلى الحواضر على قلتها وتناثرها في الصحراء المترامية) (21).

ولقد كانت هيمنة القبيلة هي الأساس في البادية والحاضرة حيث أن (هذه القبائل لم تفقد صورتها القبلية فقد ظل لكل منها منازلها الخاصة ومعاقلها الصغيرة، وسيادتها وشئونها الخاصة، ومرد ذلك إلى أن رابطة القبيلة كانت أقوى من رابطة المدينة حتى لقد تؤدي الثارات بين قبيلة وقبيلة إلى انقسام المدينة على نفسها) (22).

فوحدة القبيلة كانت أمراً مقدساً ترتب عليه طائفة من التقاليد يحدد علاقة الأفراد مع بعضهم .. وعلاقة الأفراد بقبائلهم لأن القبيلة هي الوحدة الاجتماعية التي عرفها المجتمع الجاهلي في البادية والمدن .. وكان أفراد القبيلة يؤلفون أسرة واحدة قائمة بذاتها لا اختلاط فيها، متجانسة لا تباين بين أفرادها .. يعمل الجميع في سبيل هدف واحد وهو المحافظة عليها (23).

العصبية:

وقد آمنت القبيلة بوحدتها وجعلت ذلك أمراً مقدساً، ترتب عليه طائفة من التقاليد الاجتماعية، تحدد واجبات الأفراد وحقوقهم وأساس هذه التقاليد هو العصبية، التي تقضي أن يُنصر الفرد من قبل أفراد قبيلته ظالماً أو مظلوماً.

ولو رجعنا إلى الشعر الجاهلي لوجدنا الكثير منه يصور لنا هذه العصبية دون الاحتكام إلى عقل مستنير ولا هدى أو بصيرة، لأن التعصب لقبيلته يفوق كل اعتبار.

يقول دريد بن الصمة (24):

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا الرشد إلى ضحى الغد

فلما عصوني كنت منهم وقد أرى غوايتهم وأنني غير مهتد

وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد

فالشاعر يرى رأي قبيلته غزية، بل يتنازل عن رأيه من أجل رأيها، ولو كان خطأً .. فغيه وضلاله، وكذلك رشده ترتبط كلها بعشيرته فإن ضلت ضل معها، وأمعن في ضلاله، وإن اهتدت اهتدى معها وأمعن في هداه.

والنابغة الذبياني يعبر عن المعنى نفسه بقوله (25):

حدبت علي بطون ضبة كلها إن ظالماً فيهم وإن مظلوماً

وعلى الفرد أن يحترم رأي قبيلته فلا يخرج عليه ولا يكون سبباً في تمزيق وحدتها أو الإساءة إلى سمعتها بين القبائل أو تحميلها ما لا تطيق، ولذلك اتخذت القبيلة حق الخلع أي الطرد لبعض أفرادها إذا تمردوا على تقاليدها من قتل بعض أفرادها أو تعدد جرائره عليها أو سوء سلوكه من الناحية الخلقية حسب مفاهيمهم للأخلاق آنذاك، ويعتبر الخلع أشد عقوبة توجه للفرد في المجتمع البدوي (26).

شيخ القبيلة:

فجناية كل فرد من أفراد القبيلة جناية المجموع يعصبونها برأس سيد العشيرة ولهم عليه أن يتحمل تبعاتها وله عليهم أن يطيعوه فيما يأمرهم به، وشيخ القبيلة يكون عادة شيخاً مجرباً هو سيدها له حكمة وسداد رأي وسعة في الثروة .. وهو الذي يقودها في حروبها ويقسم غنائمها، ويستقبل وفود القبائل الأخري، ويعقد الصلح والمحالفات ويقيم الضيافات، وسيادته رمزية وإذا بغى كان جزاؤه جزاء كليب التغلبي عندما بغى وطغى على أحلافه من قبيلة بكر فقتلوه مما كان سبباً في نشوب حرب البسوس المشهورة.

ولا بد من توفر صفات في شيخ العشيرة وقائدها، كالشجاعة والحسب والكرم والنجدة وحفظ الجوار وإعانة المعوز ولابد أن يتحمل أكبر قسط من جرائر القبيلة وما تدفعه من ديات، وغالباً يرث الشيخ سيادته عن آبائه (27)، وإلى ذلك يشير معاوية بن مالك سيد بني كلاب وهو الملقب (بمعِّود الحكماء) حيث يقول (28):

إني امرؤ من عصبة مشهورة حشد، لهم مجد أشم تليد

ألفوا أباهم سيداً وأعانهم كرم وأعمام لهم وجدود

نعطي العشيرة حقها وحقيقها فيها، وتغفر ذنبها وتسود

وإذا تحملنا العشيرة ثقلها قمنا به، وإذا تعود نعود

ويقول عبد الله بن عنمة وكان حليفاً لبني شيبان يرثي بسطام بن قيس سيد بني شيبان ويذكر أعلام رياسته وقيادته (29):

لك المرباع منها والصفايا وحكمك والنشيطة والفضول

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير