والمرباع هو ربع الغنيمة كان الرئيس يأخذه في الجاهلية، والصفايا جمع صفية وهي ما كان يصطفيه الرئيس لنفسه من خيار الغنيمة، والنشيطة ما أصابه الجيش في طريقه قبل الغارة من فرس أو ناقة، والفضول ما فضل فلم ينقسم نحو الإداوة والسكين والنوعان الأخيران قد سقطا في الإسلام.
الاعتزاز بالأنساب والقوة:
ولقد آمنت القبيلة بوحدة جنسها - أي وحدة الدم - فهم جنس ممتاز لا تفضلهم قبيلة أخرى، وهم يفضلون كل القبائل آباؤهم أشرف آباء وأمهاتهم أكرم أمهات، وهم أجدر الناس أن يكونوا خير الناس، ولعل هذا ما يفسر لنا تلك المنافرات التي امتلأت بها أخبار العصر الجاهلي، وذلك الفخر الذي تدوي أصداؤه في قصائد شعرائه (30).
ولعل معلقة عمرو بن كلثوم خير ما يمثل الاعتزاز بالنسب، والفخر بالآباء، والأجداد (31) حيث يقول:
1 - ورثت مهلهلاً (32) والخير منه زهيراً نعم ذخر الذاخرينا
2 - وعتاباً وكلثوماً جميعاً بهم نلنا تراث الأكرمينا
3 - ومنا قبله الساعي كليب فأي المجد إلا قد ولينا
ثم يعتز بقوة قبيلته وعزتها وجبروتها فيقول:
4 - ونحن الحاكمون إذا أطعنا ونحن العازمون إذا عُصينا
5 - ونحن التاركون لما سخطنا ونحن الآخذون لما رضينا
6 - وأنا المنعمون إذا قدرنا وأنا المهلكون إذا أتينا
7 - وأنا الشاربون الماء صفواً ويشرب غيرنا كدراً وطيناً
وإلى أن ينسى الشاعر نفسه ويتصور أنهم ملوك الدنيا المتصرفون الباطشون بلا رادع حيث يقول:
8 - لنا الدنيا ومن أضحى عليها ونبطش حيث نبطش قادرينا
9 - إذا ما الملك سام الناس خسفاً أبينا أن نقر الخسف فينا
والمعلقة كلها ضجيج وصياح وهياج وإزباد يتجاوز حدود العقل إلا أنها الجاهلية المتغطرسة، انظر إليه حيث يقول:
10 - إذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابر ساجدينا
11 - ملأنا البر حتى ضاق عنا وظهر البحر نملؤه سفينا
12 - ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فالشاعر يفتخر بكثرة عدد عشيرته حتى ملأ أفرادها وجه الأرض وضاق البحر بسفنهم؟!، وطفلهم إذا بلغ الفطام انحنى له الجبابرة سجوداً ومذلة.
والشواهد كثيرة نختار منها بعض النماذج لإعطاء صورة واضحة عن جبروت الجاهلية وغطرستها.
فالمرقش الأكبر يفتخر بكثرة عدد قومه من بني بكر بن وائل إذ يقول (33):
هلا سألت بنا فوارس وائل فلنحن أسرعها إلى أعدائها
ولنحن أكثرها إذا عد الحصى ولنا فواضلها ومجدُ لوائها
ثم يفتخر بقوة قومه في الحروب، فهم شعث الرؤوس لانهماكهم في القتال أجود ذوو مروءة، وأن ناديهم خير ناد وأشرفه فيقول (34):
شعث مقادمنا نهبى مراجلنا نأسو بأموالنا آثار أيدينا
المطعمون إذا هبت شآمية وخير ناد رآه الناس نادينا
فهم أصحاب حروب وقرى.
وطرفة بن العبد يفتخر بقبيلته بكر ويتحدث عن كرمها وقوتها وحسبها إذ يقول (35):
1 - ولقد تعلم بكر أننا آفة الجزر مساميح يُسُر
2 - ولقد تعلم بكر أننا فاضلو الرأي وفي الروع وُقر
3 - ولقد تعلم بكر أننا صادقو البأس وفي المحفل غر
والشاعر لبيد بن ربيعة يفخر بأحساب قومه وشرفهم في معلقته، فالمجد فيهم قد سنَّه آباؤهم وعلموهم إياه فتبعه صغارهم بعد كبارهم إذ يقول (36):
من معشر سنت لهم آباؤهم ولكل قوم سُنَّة وإمامها
فبنوا لنا بيتاً رفيعاً سمكه فسما إليه كهلها وغلامها
وكانت كل قبيلة تؤلف وحدة مناوئة لكل القبائل الأخرى لذلك يحزن الشاعر ذو الإصبع العدواني على تفرق قومه بني عدوان واختلافهم بعد ائتلافهم واتحادهم فيقول (37):
1 - عذير الحي من هذوا من كانوا حية الأرض
2 - بغى بعضهم بعضاً فلم يُرعُوا على بعض
3 - ومنهم كانت السادات والموفون بالقرض
وعدوان من قيس عيلان بن مضر بن نزار، كانوا من أعز العرب وأكثرهم عدداً ثم وقع بأسهم بينهم فتفانوا.
إن الأنساب مهمة وأساسية في حياة العربي آمن بها إيماناً شديداً، وصارت علماً عندهم إذا رأوا فيه ما يراه الناس في الوطن الآن.
¥