والمعيار هو شهادة أعظم أدباء العصر هو الشيخ مصطفى صادق الرافعي يقول في كتابه "تاريخ الأدب العربي": ((تتبين الجفاء في عامية تونس والجزائر ومراكش حتى لتحسبها مخلّفة عن بعض اللغات الأعجمية، فضلا عما فيها من جَسْأة المنطق ونُبُوِّه إلا عن مسامع أهلها، بحيث يكاد لا يدور في مسمع الغريب عنهم إلا مقاطع صوتية يحسبها لأول وهلة ميتة في ذهنه؛ لأنها لا تتعلق بشيء فيما يسمع من معاني الحياة الذهنية)).
والمعيار هو شهادتك أنت أيضا ـ والعمل عند أهل العلم أن شهادة القريب جائزة ـ فقد قلت في مطلع مقالك: ((ويكفي لمعرفة حالة التلف الذي توجد فيه لغة الجزائري أن يمد الواحد أذنه في أروقة المدارس والأماكن العامة، فمنذ حلول الاستعمار إلى يومنا هذا ولغة طلبة الجامعة أو التلاميذ في المدارس أو حتى العوام لا تخلو جملة يتلفظون بها من مفردتين فرنسيتين مكيَّفتين، هذا عن من يدرس بالعربية فماذا يقال عن الذين درسوا في المرابض الفرونكفونية؟)). وما أظن أنك تقول بجواز النسخ في أخبارك.
قلت أخي الكريم: (وما ذنب هذا السائل الذي ما انطلق لسانه).
ومن اتهمه حتى توكلت محاميا له، ومن حمله الوزر حتى أردت تخليصه، إن الكلام ليس في الذنب وسببه وسره بل الشأن في بيان واقع ووصف حال.
واعلم أخي أن تبرئة لسان العامة والتعلل بمثل ما ذكرت نوع من الإرجاء اللغوي؛ ذلك أن الذنب لا يرفع عن المعرضين عن التعلم والمتقاعسين عن ترويض ألسنتهم وألسنة أبنائهم على لغة أجددهم بني هلال.
أمٌّ يكيد لها من نسلها العَقِب ولا نقيصة إلا ما جنى النسب
كانت لهم سببا في كل مكرمة وهم لنكبتها من دهرها سبب
والحوب لا يدفع عن المتباهين برطانتهم ودارجتهم، بل والساخرين من الذين يحاولون أن يقوموا معوج ألسنتهم ويصححوا عثرات أفمامهم، إن الإثم لا ينفى عن اللهين والغافلين عما يدبره أعداؤهم والمتربصون بهم لإفساد أعراضهم ودينهم ولغتهم، والساكتين عن إنكار هذا الفساد اللغوي الذي يهدد وجود لغة الضاد في أرضنا.
قلت أخي الكريم: (وقد مرت نكبات على بلده لم يعشها أي مجتمع، قوم سلبت منه أرضه ولغته منذ أن سيطر المخرب عليها، فرض شروطه على الاستمرار في تدريس اللغة العربية، فشجع اللهجات العربية والبربرية لإماتة الفصحى، وفرض اللغة الفرنسية في المدارس الابتدائية وغيرها من مؤسسات التعليم، أليس هذا بعذر يبكت أفواه المعاتبين ويبتر أقلام الناقدين؟؟).
أليس كل هذا سببا ليصير لسان قومك كما وصفت لك وأكثر؟ أوليس هذا بعذر للمخبر والواصف والشاهد؟ أخي آل شطارة إنه لا تثريب عن من أخبر بما عاين وشاهد، وفي التنزيل: (ولا يضار كاتب ولا شهيد).
ثم أليس هذه المدة الطويلة والسنين المديدة من ذهاب الفرنسيين واسترجاع الأرض وترسيم اللغة العربية وتدريسها في المدارس الابتدائية وغيرها من مؤسسات التعليم كفيلة بأن يعاد للغة العربية مكانتها في لسان العامة.
قلت أخي الكريم: (قياس المواطن الجزائري -مع عدم اعتبار مرحلة الاستدمار- بغيره من المواطن العربي قياس مع الفارق).
ومن قاس يا آل شطارة حتى تسل عليه القوادح، ثم من أخبرك أن ما ذكرت يكون فارقا لا يقوم معه اعتبار أو قياس؟ أوليس وضع موازنة ومفارقة بين لهجة الجزائري وغيره تكون سببا لمعرفة الجيد والرديء، وبيان وجوه القوة والضعف ورصد التشابه والاختلاف وتقدير درجة البعد والقرب من لغة الضاد، ومعرفة الطرق المناسبة للإصلاح والتأثير؟ وللعلم فإن للأستاذ عبد العزيز بنعبد الله كتابا عنوانه "نحو تفصيح العامية في الوطن العربي: دراسات مقارنه بين العاميات العربية".
قلت أخي الكريم: (وما دخل رواية اللاز لشيخ الأدباء!).
إن مؤلف رواية اللاز هو الأديب في بلدك ـ رغم أنف الأدب ـ وجاحظيته هي نادي الأدب في الجزائر ـ وإن كانت منه خلاء ـ فإذا كان هذا الطاهر وطار وهو شيخ أدباء بلدك وهذا قلمه ويراعه فكيف يقال في لسان من هو دونه.
قلت أخي الكريم: (وأين أجد في الكتاب جوابا عن سؤالي؟ ستجده في عنوانه اللاز، فهل هي عبارة قحطنية أو قيسية أهملها الخليل وابن سيّده.
وستجده في أول جملة من الكتاب (يا السبع) ومما كنا نحفظ لابن مالك
وباضطرار خص جمع يا وأل إلا مع الله ومحكي الجمل.
¥