قلت أخي الكريم: (سواء أبقاها على لغة فولتير أو كيَّفها كما ذكرت في المقال، ما النتيجة؟؟ المقصود واحد هو أنه تكلم بغير العربية ولو بحثنا في أصل الكلمة التي تلفظ بها لوجدناها فرنسية سواء أبقاها على ما كانت عليه أو حرفها).
النتيجة أن تصحيح العبارة والدقة في الاصطلاح من أصول البحث والكتابة فالفرق بين قولك كلمات فرنسية وقولي كلمات أصلها فرنسي كالفرق بين قولنا لفظ عامي وقولنا لفظ فصيح، وكون المقصود واحد وهو أنه تكلم بغير العربية لا يسوغ لك ترك التمييز والتفريق، فالفهم والفقه فرق وجمع كما يقول العلماء. وأما قولك ولو بحثنا في أصل الكلمة التي تلفظ بها لوجدناها فرنسية سواء أبقاها على ماكانت عليه أو حرفها، فهذه كما يقال عنزة ولو طارت، ولا يحق لك أخي آل شطارة أن تقرر ذلك إلا إذا حصلت على العضوية في أحد مجامع اللغة الفرنسية في باريس، ثم إنه لا يصح أن نقول بأن المحرف يبقى والصحيح سيان إلا إذا قلنا بأن القديانية والحنيفية. سواء.
وأنبه هنا على أن قولي (لغة فلوتير) هي نسبة مستعملة، ولكن الأشهر والأكثر استعمالا هو (لغة موليير)، ففولتير فيلسوف ومفكر فرنسي، وموليير مؤلف كوميدي مسرحي فرنسي، وتنسب اللغة الفرنسية إليهما لإشعار الغير أن لغتهم هي لغة الفن والفكر والأدب. وكذلك اللغة اليونانية تسمى عند أهلها (لغة أوميروس) نسبة إلى كبير شعرائهم، وأما عندنا فيقال لغة الضاد نسبة لأصعب وأشد وأثقل وأقل الحروف استعمالا فيها، ولو كان لي من الأمر شيء لنسبت العربية لمصطفى صادق الرافعي؛ لأنه الحكمة العالية مصوغة في أجمل قالب من البيان.
قلت أخي الكريم: (وما بالُه ـ المعجم الفرنسي لاروس ـ في كل عام يُزاد في حجمه وفي ثمنه وتُضاف إليه الكلمات، اللغة مجال واسع عند أي حضارة فهي تمثل مبدأ حياة وحَصرها في حيِّزٍ مُغلقٍ حصرٌ لحياة الشعب نفسِه، وما انطلق شعب من هؤلاء إلا لما انطلقت لغته وتعدَّت حدود البلد).
قلت هذا إعتراضا على قولي بأن (الكلمات الفرنسية بين قومها وأهلها محصورة)، وهو من الغرابة بمكان؛ ذلك أنك إذا رجعت إلى معجم اللغة الفرنسية (لاروس) فإنه لن تفوتك أي كلمة فرنسية، وهو دليل الحصر، وأما ما شذ فهو استثناء والاستثناء يقرر القاعدة ولا يناقضها، وأما سبب الزيادة في حجمه كل سنة فهو بسبب مسايرة المجامع اللغوية عندهم لما يستجد من أسماء للمخترعات الجديدة التي لا تتوقف، وهو تأكيد للحصر، وأما الزيادة في ثمنه فهو شأن اقتصادي لا علم لي به. وأما الكلام الأخير فهو حديث إنشائي مرسل لا يعجبني ويشبه كلام أناسي آخرين.
قلت أخي الكريم: (مع أنكم شهدتم بخراب لغة المواطن الجزائري رغم جهود الأئمة الحقيقة مرة والواقع مشين).
إن شهادتي على ما قلت لا يلزم منها نفي أثر جهود من سبق في النهوض باللغة العربية؛ إذ إن كلامي من باب المجموع لا من باب الجميع، وعدم وجود الأثر العام الظاهر لا يعني انتفاء الأثر الخاص الخفي. وإن لساني ولسان كثير من الجزائريين الذين تفتقت ألسنتهم بالعربية مدين لأولئك الأوائل من علماء الجزائر. أخي آل شطارة في قومك بقية نفاخر بفصيح ألسنتهم أهل الحجاز واليمن، وإن أردت مثالا فاستمع لأخي الألمعي مالك الطيبي وهو يلقي قصيدة في حفل اختتام فرسان القرآن بالجزائر، هناك ترى كيف:
تخرج الألفاظ من فيه كما تخرج الدرة من جوف الصدف
قلت أخي الكريم: (كيف يخفى وأنا من آل شطارة، ما ازددت إلا إيمانا بأنه لسان عربي).
أخي آل شطارة كونك من آل شطارة وصف طردي لا يقدم ولا يؤخر، إذ لو كنت من هذيل ما نفعك ذلك بعد أن بعُد بك العهد ونأت عنك ديار أصولك وعشت في معشر قلت أنت عنهم: ((لا تخلو جملة يتلفظون بها من مفردتين فرنسيتين مكيَّفتين)).
إن ادعاء أن الدارجة الجزائرية لسان عربي هو السير في ركاب سلامة موسى وأشياعه من دعاة العامية ولكن بطريقة مسالمة وذكية، فدعاة العامية انطلقوا من ثنائية لغوية ومن صراع بين كائنين هما اللغة العربية والدارجة، وأن الأولى صعبة ولا تلائم العصر والثانية سهلة تناسب الوقت، وأما آل شطارة فجعل القضية أحدية ـ ما الأمر إلا نسق واحد ـ فالدارجة الجزائرية عنده لسان عربي.
¥