تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال أبو العُلا: تَفْهَمُ من كلام بعض الناس أنَّ مَنِ اجتمعت على لِسانِه أكثرُ من لُغَةٍ دَلَّ ذلك على تَمَكُّنِهِ من اللُّغَات، وكنت أستنكرُ ذَلِكَ في نفسي، وكان مستندُ استنكَارِي مَا سمعتُهُ عن بعضِ أَهْلِ العِلْمِ في تفضيل ألفية الحافظ العراقي على ألفية الحافظ السيوطي، وذكر أوجهًا منها: أن الحافظ العراقي متخصص في فن الحديث أكثر من الحافظ السيوطي، فالسيوطي كان آية في المعرفة بالفنون، بخلاف الحافظ العراقي من حيث التخصص. وهذا وَجْهٌ حَسَن، ظَاهِرٌ تَوجِيهُه لمن تأمَّله، فإن من وحَّدَ هِمَّتَه في شيء واحد بخلاف من صرف منها شيئًا هنا وآخر هناك، ومن هذه الوجْهِ رَأَى بعضُ أهلِ العلم عَدَمَ خَلْطِ الطَّالبِ بين الفنونِ عند دراستِهِ حتى يُتِمَّ ما هو فيه، وَ جَاءَ في قَولِ بَعضِ العَالِمِينَ بِطُرُقِ التَّعلِيْم:

وَ إنْ تُرِدْ تَحْصِيلَ فَنٍ تَمِّمَهْ وَ عَنْ سِوَاهُ قَبلَ الانتِهَاءِ مَهْ

وَفِي تَرَادُفِ العُلُومِ المَنْعُ جَا إذْ تَوْأمَانِ اسْتَبَقَا لَنْ يَخْرُجَا

ففي صرف الهمة لشيء واحد نفع عظيم في التَّحصِيل، قال الحافظ أبو محمد ابن حزم الظاهري – رحمه الله –: ... من مال بطبعه إلى علمٍ ما، وإن كان أدنى من غيره، فلا يشغلها بسواه، فيكون كغارس النارجيل بالأندلس، وكغارس الزيتون بالهند، وكل ذلك لا ينجب" [24] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=33#_ftn24).

وقال ابن القيم: ... فإنَّ الْهِمَّةَ مَتَى انْصَرَفَتْ إِلَى شَيْءٍ انْصَرَفَتْ عَن غَيْرِه" [25] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=33#_ftn25).

قال أبو العُلا: هذه الأمور كانت مستندًا لي على الاستنكار، ولكني كنتُ أجبنُ أن أقول ما لم أرَ أحدًا نصَّ عليه من المتخصصين في اللغة، حتى ظَفِرْتُ بكلمةٍ في البيان والتبيين للجاحظ يقول فيها: ومن القُصَّاصِ: موسى بن سيَّارِ الأسوارِي، وكان من أعاجيب الدنيا، كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية، وكان يجلس في مجلسه المشهور به، فتقعد العرب عن يمينه، والفرس عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب الله ويفسرها للعرب بالعربية، ثم يحوِّلُ وجهه إلى الفرس فيفسِّرُها لهم بالفارسية، فلا يُدْرَى بأي لسان هو أبينُ. واللُّغَتَانِ إذا الْتَقَتَا في اللِّسانِ الوَاحِدِ أَدخَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ منهما الضَّيمَ عَلَى صاحِبَتِها، إلا ما ذَكَرنَا من لِسَانِ مُوسَى بنِ سيَّارِ الأسوارِي" [26] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=33#_ftn26).

قال أبو العُلا: هَذَا حَقٌّ بِلا مِرَاء، لكنَّهُ أمْرٌ أَغْلَبِي، وإلا فإنَّكَ تجد أحيانًا مَنْ يُتْقِنُ لُغَتَين على لِسَانٍ وَاحِدٍ حتى تَظُنَّ أنه ابنُ بَجْدَتِها [27] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=33#_ftn27)، وفِي تَرَاجِمِ عَدَدٍ مِنَ أَعلامِ العَرَبيَّةِ ذِكْرُ شَيءٍ مِنْ ذَلِك [28] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=33#_ftn28)، وأعرِفُ عصريًّا اشتغلَ بالعربيَّةِ دَهْرًا طَوِيلاً، يُتْقِنُ العَرَبِيَّةَ اتْقَانًا يجعلُكَ تَقُول: هَذَا عَرَبِيٌّ أَخَّرَهُ الله. ومع ذلك يعرِفُ الفَارِسيةَ وَ الأُوردِيَّةَ فسبحانَ مَنْ يَجْمَعُ و يُفَرِّق.

وكثيرٌ مِنَ الضَّيمِ الذي دَخَلَ العَربيَّةَ في هذه العُصُورِ المتأخِّرَةِ سَبَبُهُ ترجمةُ الكُتبِ عنِ اللُّغات الأخرى إلَى العربيَّة من أدعياء العربيَّة، مَعَ بَلِيةِ تَتَبُّعِ لُغَةِ الجرائدِ، وقد صرَّحَ الهلاليُّ بهذا في مواضع كثيرة من كتابه "تقويم اللسانين"، وذَكَرَ الْمَنْفَلُوطِيُّ في "النَّظَرَاتِ" شَيئًا مِنْه. والعربيَّةُ عَزِيزةٌ غَالِية، تَكَادُ تَكونُ كالضَّرةِ مَعَ اللُّغاتِ الأخرى، وغورُها بَعِيد، بعيدٌ جدَّا، ولها أَسْرَارُ فَصَاحَةٍ تُدْرَكُ بالدُّرْبَةِ والْمُمَارَسة، فهي لذلك تسألُ طالِبَها جُهْدًا وجَلَدًا, و وَقْتًا و زَمَنًا، و جُلْ بِبَصَرِك في كِتَابِ "الخصائص"، و" سر صناعة الإعراب" كلاهُما للإمام الجبل (رأس النحاة) [29] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=33#_ftn29) أبي الفتح ابن جني – رحمه الله وفسح في قبره – ثُمَّ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير