تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ارجعِ البَصَرَ كَرَّتَين = لتتجلَّى لك حُسْنُ براعتِه، وجَلالةُ صناعتِه، ولْتَدْرِ بعدها أنه لازمَ أبا علي الفارسيَّ دهرًا سنة يطلب العربية، فلا غروَ أنْ كَانَ إِمامًا هُمَامًا. ومثلُهُ يُدرِكُ مَكَانَةً عَاليةً وشَأوًا في العربيَّة، يَبْهَرُك ويَسْحَرُك، فاقرأْ ما نَقَلَهُ ابنُ القَيِّم، قال – رحمه الله – "وقُلْتُ يومًا لشيخنا أبي العباس ابن تيمية – قدَّس الله روحه -: قال ابن جني: مكثتُ برهة إذا ورد عليَّ لفظ آخذ معناه من نفس حروفه وصفاته وجرسه وكيفية تركيبه، ثم أكشفه فإذا هو كما ظننته أو قريبًا منه. فقال لي – رحمه الله -: وهذا كثيرًا ما يقع لي" [30] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=33#_ftn30).

قال أبو العُلا: ألا تَرَى هَذِهِ الملَكَةَ الغَرِيبَةَ النَّادِرَة؟! وقد صَارَ شيخُ الإسلامِ أبو العباس ابن تيميَّةَ مَحَطَّ أنظارِ النَّاسِ عند الخلاف؛ لأنه أُوتِيَ دِقَّةً في الفَهْم، وذَوْقًا في العِلْم، مَعَ بَرَاعَةٍ عَالِيَةٍ في الاستِدْلال، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ بَنَاتِ فَهْمِ اللِّسَانِ العَرَبِيِّ المبِين، حتى تَفَهَّمَ الحُجَجَ القُرآنِيَّة، والسُنَنَ النَّبَويَّة. ولله دَرُّ أبي حفص الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حين قرأ يومًا على المنبر قوله تعالى: (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوِّف) فقال: أتدرون ما مَعْنَى التَّخَوُّفِ هنا؟ فقام شيخٌ من هُذَيل كانَ جَالِسًا في أُخْرَيَاتِ النَّاسِ فَقَالَ: التَّخَوفُ التَّنَقُّص – أي يَأْخُذُهُم على تَنَقُّصٍ مِن أبدَانِهم وَأَموالِهم. فقال عمر: أَوَ تَعْرِفُ العَرَبُ ذَلِك؟ قال نعم، قال شاعرنا أبو كَبِيرٍ الهذلِيُّ:

تَخَوَّفُ الرَّحْلُ مِنْهَا تَامِكًا قَرِدًا كَمَا تَخَوَّفَ عَوْدَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ

فقال عمر: عليكم بديوان العرب، قالوا: وما ديوانُها؟ قال: شعرها فإن فيه معانيَ كِتابِ اللهِ الذِي نزل بلغتها. [31] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=33#_ftn31)

قال أبو العُلا: القُصُورُ الذِي يَعتَرينَا اليومَ فِي تَعَلُّمِ أُصولِ العَربِيَّةِ لا يَكَادُ يُوصَف، فَكَيفَ لَو انْصَرفْنَا إلى تَعلُّمِ اللُّغَاتِ الأُخْرَى ونحن لم نُتْقِنْ أصولَ العَرَبِيَّة؟! لَعَمْرُكَ لَتَرَينَّ العَجَبَ العُجَاب، وَاللهُ يَحْفَظُنِي وَيَحْفَظُك.

وأما قوله في السيوطي: ولذلك نرى السيوطي في كتاب الإتقان كحاطب ليل [32] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=33#_ftn32)، وليس تحقيق ولا إتقان (كذا)، وهذا شأنه في علوم المنقول".

فأقول: لا شَكَّ أنَّ للحافظِ السيوطِيِّ مُجازفَاتٍ وشَطَحَاتٍ في بَعضِ مُؤلَّفَاتِه، والحكمُ بِعَدَمِ الإتْقَانِ وَالتَّحقِيقِ هَكَذَا صَعْب، وقد مَضَى على تصنيفِه للإتقان قُرُونٌ ولم يأتِ لا حَاطِبُ لَيلٍ ولا (حَاطِبُ نَهَارٍ) على نَسَقِه، ومُؤَلَّفُهُ هذا مَكْتَبةٌ في كِتَاب، و مَا مِنْ آتٍ مِنْ وَرَائِهِ - كَتَبَ في عُلُومِ القُرآنِ - إلا و هَرَعَ إلى كِتَابِه، لِيَجِدَ مَأدُبةً حَافِلةً بقَوَاعِدِ الفَنِّ وأُصولِه، فَسَلْبُ اسْمِ التَّحْقيقِ والإتْقَانِ مِنْهُ هَكَذَا فِيهِ شيء، واللهُ يُحِبُّ الإنْصَاف، (وإذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا).

وَالحَمْدُ لله، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وسَلَّم.

أبُو العُلا الهاشمي

ليلة الثلاثاء 28/ ذُو القَعْدَة/1428

جُدَّة

[1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=33#_ftnref1) - ( مُخْتَار) تَأتِي اسمَ فَاعِلٍ وَاسمَ مَفْعُول، وَالأُوْلَى هنا اسمُ فَاعِل، وَالثَّانِيةُ اسمُ مَفعُول.

[2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=33#_ftnref2) - عَلَى أنَّ هُنَاكَ أَمْرًا مُهِمًّا يَجِبُ التَّنَبُّهُ لَه، أَنْقُلُهُ عَنْ شَيخِي عَبدِ الرحْمَن بنِ عَوف كُونِي – وَ مِنْ خَطِّهِ أَنْقُلُ – قُلْتُ (الكُوْنِي):

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير