ولا شك أن حصر تفسير القرآن في الأئمة، والقول بوجوب الأخذ بأقوالهم يستلزم الاعتقاد بعصمتهم، كما يؤدي إلى نسبة كثير من الروايات الواردة في التفسير إليهم لإضفاء الشرعية عليها، وسنرى هذا في دراستنا هذه.
الأصل الثاني:إسقاط أقوال الصحابة والتابعين في التفسير.
وهذا الأصل منبثق عن الأصل الأول وثمرة له، فما دام تفسير القرآن محصوراً في الأئمة فلا قيمة لتفسير غيرهم أياً كان، بخاصة إذا كان هؤلاء هم الصحابة الكرام المهتمين بتحريف القرآن عند الشيعة.
إن عامة مفسري الشيعة مجمعون على إسقاط أقوال الصحابة والتابعين في التفسير، وإن كانت قد اختلفت تعليلاتهم لهذا التوجه.
صاحب تفسير الصافي يعيد السبب إلى أن أكثر الصحابة كانوا يبطنون النفاق، في حين يسقط الطباطبائي صاحب (الميزان في تفسير القرآن) أقوال الصحابة والتابعين لكثرة ما فيها من الخلط والتناقش – كما يتوهم – إذ يقول: (وأما الروايات الواردة عن مفسري الصحابة والتابعين فإنها على ما فيها من الخلط والتناقش لا حجة فيها على مسلم) [الميزان في تفسير القرآن 1/ 13].
أما كاشف الغطاء فيرى أنها لا تساوي عندهم مقدار بعوضة [أصل الشيعة وأصولها 79] إلا في القليل النادر، ولهذا أسبابه التي يسهل تلمسها، فإذا كان القول المنسوب إليهم يخدم قضية متنازعاً عليها بين السنة والشيعة، وهذه الأقوال تؤيد قول الشيعة، أو قضية متفقاً عليها – على قلتها – مثل فضل عليّ، رأيت مفسري الشيعة يذكرون هذه الأقوال من باب (من فمك أدينك).
وقد فعل هذا غير واحد من، منهم الطباطبائي عندما ساق في تفسيره أقوال بعض الصحابة والتابعين في إباحة نكاح المتعة [الميزان 4/ 271] وهو الذي ذكر آنفاً أن ليس في أقوالهم حجة على أحد.
وقد يكون ذكر أقوال الصحابة والتابعين في تفاسير الشيعة من باب المداراة والتقية، بخاصة إذا كان صاحب هذا التفسير على صلة ببعض أعيان أهل السنة، كما هو الحال مع أبي جعفر الطوسي (ت460) [كان أبو جعفر الطوسي مقدماً عند حكام بغداد في عصره، ويعد من أعيانها]. صاحب (التبيان في تفسير القرآن)، الذي ذكرنا أنه يحصر التفسير في أهل العصمة فقط، مع أنه أورد أقوالاً للصحابة والتابعين في تفسيره.
يكشف النوري الطبرسي عن السبب الذي جعل الطوسي ينهج هذا المنهج المخالف للأصول التي يؤمن بها فيقول: (لا يخفى على المتأمل في كتاب التبيان أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين، فإنك تراه اقتصر في تفسير الآيات على نقل كلام الحسن، وقتادة، والضحاك، والسدي، وابن جريج، والجبائي، والزجاج، وابن زيد، وأمثالهم، ولم ينقل من مفسري الإمامية، ولم يذكر خبراً عن أحد من الأئمة عليهم السلام إلا قليلاً) [فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب ص 34].
فقد عد الطبرسي مجرد ذكر بعض أقوال التابعين في التفسير مداراة ومجاملة، بالرغم من أن كلامه عن تفسير التبيان فيه مبالغة واضحة، ويلحظ هذا من يقرأ في التبيان الذي لم يخرج صاحبه كثيراً عن أصول التفسير عندهم [فعلى سبيل المثال يرى الطوسي أن تحديد المراد باللفظ المشترك المتحمل للمعنيين لا يجوز إلا بقول نبي أو إمام معصوم، وهذا إهمال واضح لقول غيرهم، ومساواة لأقوال الأئمة بقول الرسول. انظر: التبيان 9/ 326] إلا أنه أورد – كما أسلفنا – بعض أقوال التابعين في التفسير.
وقد سار القمي على هذا المنهج فأهمل أقوال الصحابة والتابعين في التفسير ولم يعرض لأقوالهم بحال كما سنرى.
الأصل الثالث: القول بأن للقرآن ظهراً وبطناً.
لقد روى مفسرو الشيعة في هذا المعنى روايات كثيرة عن الأئمة تدل بمجموعها على أن للقرآن معنى ظاهراً ومعنى باطناً لا يعرفه إلا الأئمة، من أشهرها ما رواه جابر الجعفي عن أبي جعفر أنه قال: يا جابر إن للقرآن بطناً وللبطن بطن، وظهراً وللظهر ظهر [الميزان للطباطبائي 3/ 73].
وهناك تلازم واضح بين هذا الأصل والأصل الأول عندهم، فقد حصروا التفسير في الأئمة حتى لا يفتح المجال أمام الطوائف الأخرى، فتقول في بطن القرآن ما تشاء من أقوال، وعندها يصبح الشيعة وغيرهم في القول بالباطن سواء، فليس قولهم في باطن القرآن بأولى من قول غيرهم، وهذا يكشف عن التلازم بين أصول التفسير عند الشيعة.
الأصل الرابع: أسلوب الجَرْي.
¥