تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[* الإيحاء الصوتي في تعبير القرآن للدكتور قاصد ياسر الزيدي]

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[05 Mar 2006, 09:55 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

أصل الوحي في اللغة:

أصل الوحي والإيحاء في اللغة "الإشارة السريعة" (1)، وهو دال على الخفاء، ومنه (الوحي الإلهي) إلى الملائكة والأنبياء، ومنه (الإلهام) بنوعيه: البشري، وغير البشري. فمن الأول إلهام أمّ موسى عليه السلام بإرضاعه، وإلقائه بصندوق في النهر حين خافت عليه قتل فرعون له. وذلك قوله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمَِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) (2).

وأما الثاني من الإيحاء، وهو غير البشري، فهو "الإلهام الفطري الغريزي"، وهو (المستمر)، كإلهام النحل باتخاذ البيوت من الطبيعة (الطبيعية) من شجر وجبل، ومن الطبيعة (الصناعية)، وهي العرائش التي يبنيها الناس، ثم الأكل من أنواع الثمر لصنع العسل. فهذا أيضًا سماه القرآن الكريم (إيحاء)، فقال تعالى: ? وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ? (3). وهذا الشراب المختلف كناية بالصفة عن هذا الغذاء والدواء الذي هو (العسل)، الذي أثبت له الطب الحديث فوائد كثيرة، منها الفتك بأنواع الميكروبات المسببة للأدواء، كالتيفوئيد، والدوسنتاريا، والنزلات الشعبية وغيرها (4).

ويشعرنا بهذا الخفاء الذي يتّسم به الإيحاء، أنه مما وصف به شياطين الجنّ، ومعهم مَن وصفوا بشياطين الإنس، لتخلّقهم بخُلق الشياطين، في قول السوء والزور، فقال ? مصوِّرًا هذه الوشيجة التي بين الفريقين: ?شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا? (5).

(2)

الإيحاء والرمز:

وللإيحاء البشري وسيلتان في التعبير عن المراد: إحداهما: الكلام، والأخرى: الحركة. فهو بهذا الأخير يجري مجرى (الرمز). وربما مجرى ما يعرف قديمًا في البلاغة باسم (المعاريض)، الذي مفرده (مِعْراض) (6)، وهو (التورية). وقد يكون الإيحاء بصوت مجرّد من التركيب، ولكنه غير مجرّد من الدلالة، كالتحسّر مثلاً. وقد يكون بإشارة ببعض أعضاء الجسم، كاليدين، والأصابع، والشفتين، والرأس .. وقد ورد الإيحاء بأحد هذه الرموز الإيحائية في تصوير انعقاد لسان النبي زكريا ?، حين رُزق بالولد، فكان ذلك الانعقاد علامة وبشارة من الباري سبحانه على ذلك، وقد ورد في سياقين: الأول في قوله تعالى بعد انعقاد لسانه: ?فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا? (7)، والثاني في قوله تعالى: ?قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا? (8)، وذلك حين طلب علامة على رزقه بالولد.

ومِن اللغويين القدماء مَن يجعل (الرمز) ضمن مفهوم (الوحي)، على أساس أنّ الرمز خفاء مثلما الوحي خفاء. وهذا يصح ابتداء، إلاّ أنّ الذي تبيّن لي أنّ بينهما فارقًا، وهو أنّ الغالب على الإيحاء التعبير باللفظ، على حين تغلب على الرمز التعبير بالحركة. فمن ذلك "رمز الندم"، المعبَّر عنه في تعبير القرآن. وكذا في الواقع العملي غالبًا -بتقليب الكفّين. وقد ورد ذلك في ندم المنكِر لنِعَم الله عليه، في ما رزقه من جَنّة -أي بستان كثيف الأشجار غنيّ إذ صوّره البيان القرآني بقوله تعالى: ?فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا? (9). فهذا إيحاء الندم والرمز الدال عليه، وقد جمع له القرآن في هذا السياق بين الحركة والقول: الحركة بتقليب الكفّين، والقول بتمنّي عدم الشرك بالله وكفران النِّعَم. وأسمّي هذا النوع (التعبير المزدوج)، وهو ضرب مما سميته (المتباين)، لتباين ما دلّ على النِّعَم ما بين الحركة والقول.

(3)

الإيحاء في الدلالة الصوتية:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير