تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[اسقاط معاصر على آية" لا تكن كصاحب الحوت .. "]

ـ[عزام عز الدين]ــــــــ[27 Feb 2006, 09:11 م]ـ

.. لا مفر من إسقاط معاصر.

فالخطاب القرآني يستفزنا دوماً من اجل ان نقرأ الحاضر والمستقبل.

وقصة يونس وخروجه من بطن الحوت، والتي جرت في القرن الثامن قبل الميلاد تقريباً، كانت مثلاً جيداً لمحمد (صلى الله عليه و سلم) في القرن السادس بعد الميلاد، أي بعد 15 قرناً من وقوعها – وهي لا تزال تحمل الكثير، بل ان إيحاءاتها زادت بعد أن رأينا ارتباطاتها بالوضع النفسي للرسول (صلى الله عليه و سلم) في البداية المبكرة للدعوة.

وإيحاءاتها وأمثلتها تزيد عندما نكون في وضع مشابه: في بطن الحوت. في درك الظلمة واليأس.

واليوم – يواجه المسلمون عموماً – واقعاً مظلماً ومستقبلاً اشد إظلاماً. وللحقيقة والأنصاف فليس المسلمون وحدهم من يواجهون هذا الواقع المظلم والمستقبل الأشد إظلاماً، فمعظم شعوب الجنوب – ونسبة كبيرة منها مسلمة – تواجه هذا الواقع. انهم يعيشون في ظل نظام عالمي يستغلهم ويسحقهم ويهمشهم على كافة المستويات: الاقتصادية أساساً، والاجتماعية والثقافية والسياسية تباعاً – وهو نظام لا يخدم حتى مواطنيه – فهو لا يخدم غير طبقة النخبة، الملأ الاحتكاري الذي لا يتجاوز الـ5% من السكان – والذي قد يتقلص حتى الـ 1% في غضون سنوات – لكنه مع ذلك يمارس اشد انواع الظلم ضد شعوب كاملة: يستغل مواردها بأبخس الأثمان، ويستغل بطالتها ليحول عمالتها البشرية إلى رقيق رخيص مهدد في أي وقت بالطرد والموت جوعاً – وفوق ذلك كله يمسخ هويتها الحضارية ويحولها إلى تابع استهلاكي لحضارة الغرب، حضارة الرجل الأبيض الخالدة.

وخلال ذلك كله، وبسبب تعقد الأوضاع الاقتصادية العالمية، فأن الحصار يبدو مطبقاً من جميع الجهات. فوصايا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على سبيل المثال – وهما الملجأ الوحيد للدولة الهاربة من الفقر وهاوية الأفلاس – لا تؤدي إلا إلى تكريس هيمنة النظام العالمي الجديد وتسهيل حركته وانتقال الأموال عبر هذه الدولة أو تلك – والقروض التي تمنح عادة، تكون فخاً منصوباً بإحكام للسقوط في دورة العولمة المهيمنة – فلكي تسدد الدولة المدينة القروض وفوائدها المتراكمة لابد لها ان تتبع مجموعة من الإرشادات تجعلها دائرة تماماً في فلك العولمة: تخفيض الضرائب على القطط الكبار وزيادتها على المواطن العادي. زيادة الفوائد في البنوك. إلغاء القطاع العام بما في ذلك خدمات البنية التحتية من ماء وكهرباء وحتى تعليم وصحة. ولا تؤدي هذه الإرشادات الى تحسين الوضع الاقتصادي أبداً – لكن طبقة معينة، طبقة ال] 5%مثلاً [ستنشأ وترتبط مصالحها بالطبقات المتعولمة في كل مكان – الملأ الاحتكاري الذي صار يمثل طبقة عابرة الحدود والقارات، انتماؤها الحقيقي يتجاوز حدود الأوطان والقوميات والأديان التقليدية إلى عقيدة دين جديد أسماؤه متعددة: وحدانية السوق. الدولار. العولمة … الخ. أما المواطن العادي فسينسحق اكثر واكثر ويتهمش اكثر فأكثر .. ويضيق أفق أحلامه اكثر فأكثر: فلا يصير اكثر من لقمة الغد وكسوة الشتاء القادم ..

وبسبب الحذق الإعلامي المحترف الذي تمارسه مؤسسات العولمة الإعلامية المتسلطة على وسائل الإعلام بكافة أشكالها، فان شعوب الجنوب – اللاهثة وراء اللقمة وسداد الدين ووسائل العيش البيولوجي البحت، تكون في الوقت نفسه مهشمة الهوية مزدوجة الانتماء –فالمؤسسة الإعلامية العالمية من تلفزيون وسينما وإذاعة تسوق " نمط الحياة " الغربية – بالضبط كما تسوق لكل منتجاتها الاستهلاكية الأخرى: السيارة، والهاتف النقال، ومسّرح الشعر - وتسويق نمط الحياة عبر الصورة الإعلامية الجذابة هو اخطر ما في عملية التسويق: معها يصير الهامبرغر اكثر من مجرد أكلة سريعة. والجينز اكثر من مجرد ثوب عملي، والبيبسى كولا اكثر من شراب منعش، كل هذه تصير رموزاً لحياة أخرى واختيار اخر، تركض شعوب الجنوب خلفها بحثاً عن رفاهية ذلك العالم "الآخر" – ارض الأحلام كما يسميها مسوقو الحلم الأمريكي .. وخلال ذلك الركض – الذي غالباً ما يصيب المنتجات الاستهلاكية وحدها، تستمر عجلة الاستهلاك – محور الحضارة الغربية المعاصرة – في الدوران، ويستمر المدينون في الاقتراض لشراء ما يتغير

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير