[لقط الجوهر من سورة الكوثر]
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[17 Mar 2006, 01:32 ص]ـ
[لقط الجوهر من سورة الكوثر]
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذه محاولة لبيان وجه من معجزة سورة الكوثر، وميزته أنه يمكن التأكد منه على نحو قريب من الملموس، وسبيلنا اليه: الاشتغال بلغة النحو الواصفة، والاستناد إلى المقولات والمفاهيم المتداولة عند أهل النحو ....
ورهاننا المأمول: إثبات دعوى مفادها: أن من وجوه إعجاز سورة الكوثر- التي لا سبيل إلى الاحاطة بها كلها- وجها لغويا،لم يفصل فيه حسب علمي، وهو استيعاب سورة الكوثر لجل أبواب اللغة العربية التي يذكرها أهل هذا الشأن في مصنفاتهم ..... فيتأتى التحدي والمعاجزة بهذه السورة لأنه ليس في طاقة الأنسان أن يضمن كل ما سأذكر في مساحة ضيقة جدا لا تتعدى عشر كلمات وهو عدد كلمات السورة الشريفة.
هذا وقد قسمت كلامي إلى شقين:
-استعرضت في الشق الأول الخطوط العريضة لمناهج المفسرين عندما اشتغلوا بتفسير سورة الكوثر ..... مع إيراد نماذج تمثيلية من أقوالهم والتعليق عليها.
-بينت في الشق الثاني اشتمال السورة على كثير من ابواب النحو مما يصعب عادة أن تجتمع في حيز لغوي محدود جدا ...
فعسى أن يوفقني الله لخدمة كتابه العزيز.
المفسرون وسورة الكوثر:
اتخذ المفسرون مسلكين مختلفين:
1 - طائفة من المفسرين تمسكوا بالحياد المنهجي فلم يروا ضرورة لتغيير منهجهم العام في التفسير وهم يشتغلون بسورة الكوثر .... ومن هؤلاء أئمة كبار: كالطبري والبغوي وابن كثير وآخرين من القديم والحديث.
2 - طائفة أخرى اعتبرت تميز الموضوع الجزئي فاستجابت منهجيا بتميز مماثل: فقدرت أن سورة الكوثر هي أصغر سورة في القرآن العظيم ومن ثم فالمناسبة مواتية لاختبار إعجاز القرآن محليا والرد على الطاعنين خاصة وقد تناقل المفسرون أن مسيلمة الكذاب قد عارض هذه السورة بالضبط فلا بد من تسفيه محاولته وإثبات أن سورة الكوثر تعلو ولا يعلى عليها.
وباستقراء ما سطره هؤلاء الأئمة ظهرت ثلاثة توجهات أساسية لإثبات إعجاز سورة الكوثر:
أ-إعجاز السورة داخلي وذاتي، أعني أن تأمل السورة لذاتها وتدبر مفرداتها كافيان لبيان مظاهر الاعجاز.
ب-إعجاز السورة باعتبار غيرها من السور، ومدار هذا التوجه على افتراض علاقات ما بين سورة الكوثر وأخواتها داخل سياق مصغر، تحديدا:سورة الماعون المرتبة في المصحف قبلها وسورة الكافرون المرتبة بعدها .... وطمح بعض المفسرين إلى تأكيد فرضية علاقات مطردة في السياق الموسع، والمقصود هنا المفسر فخر الدين الرازي رحمه الله.
ج-إعجاز السورة باعتبار الواقع الخارجي، ومدار هذا التوجه على تاكيد العلاقة بين سورة الكوثر وأحداث تاريخية معينة وهو المعروف ب"الاخبار بالمغيبات".
هذه التوجهات قد تلحظ مجتمعة عند مفسر واحد، وقد تلحظ متفرقة ..... وهذه نماذج تمثيلية لها:
نموذج للتوجه الأول: تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل:
قال ابن عادل -رحمه الله-:
(قال أهل العلم: قد احتوت هذه السورة على كونها أقصر سورة في القرآن على معان بليغة، وأساليب بديعة، منها: دلالة استهلال السورة على أنه - تعالى - أعطاه كثيراً من كثير.
ومنها: إسناد الفعل للمتكلم المعظم نفسه، ومنها: إيراده بصيغة الماضي تحقيقاً لوقوعه كـ " أتَى أمْرُ اللهِ ".
ومنها: تأكيد الجملة بـ " إنَّ ".
ومنها: بناء الفعل على الاسم ليفيد بالإسناد مرتين، ومنها: الإتيان بصيغة تدل على مبالغة الكثرةِ، ومنها حذف الموصوف بالكوثر؛ لأن في حذفه من فرط الإبهام ما ليس في إثباته.
ومنها: تعريفه بـ " أل " الجنسية الدالة على الاستغراق، ومنها: فاء التعقيب الدالة على التسبب كما تقدم في " الأنعام " سبب الشكر والعبادة.
ومنها: التعريض بمن كانت صلاته ونحره لغير الله تعالى.
ومنها: أن الأمر بالصلاة إشارة إلى الأعمال الدينية التي هي الصلاة وأفضلها كالأمر بالنَّحر.
ومنها: حذف متعلق " انْحَرْ " إذ التقدير: فصلِّ لربِّك وانحر له.
ومنها: مراعاة السجع، فإنه من صناعة البديع العاري عن التكلُّف.
ومنها: قوله تعالى: {لِرَبِّكَ} في الإتيان بهذه الصفة دون سائر صفاته الحسنى دلالة على أنه المربِّي، والمصلح بنعمه، فلا يلتمس كلَّ خير إلا منه.
ومنها: الالتفات من ضمير المتكلم إلى الغائب في قوله تعالى: {لِرَبِّكَ}.
¥