[مقدمة لتفسير سورة النور]
ـ[إبراهيم منصور]ــــــــ[02 Jan 2006, 04:12 م]ـ
الحمد لله وكفى ,والصلاة والسلام على النبي المصطفى, وعلى آله وصحبه , ومن لأثره اقتفى
وبعد فقد عزمت بعون الله على جمع تفسير لسورة النور
وها هو أضعه بين أيديكم لتقوموه والله أسئل أن يوفق لما فيه الخير
بين يدي السورة
التعريف بالسورة هذه سورة النور يذكر فيها النور بلفظه متصلا بذات الله (الله نور السماوات والأرض) ويذكر فيها النور بآثاره ومظاهره في القلوب والأرواح ; ممثلة هذه الآثار في الآداب والأخلاق التي يقوم عليها بناء هذه السورة وهي آداب وأخلاق نفسية وعائلية وجماعية تنير القلب وتنير الحياة ويربطها بذلك النور الكوني الشامل أنها نور في الأرواح وإشراق في القلوب وشفافية في الضمائر مستمدة كلها من ذلك النور الكبير وهي تبدأ بإعلان قوي حاسم عن تقرير هذه السورة وفرضها بكل ما فيها من حدود وتكاليف ومن آداب وأخلاق
(سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فيدل هذا البدء الفريد على مدى اهتمام القرآن بالعنصر الأخلاقي في الحياة ; ومدى عمق هذا العنصر وأصالته في العقيدة الإسلامية وفي فكرة الإسلام عن الحياة الإنسانية والمحور الذي تدور عليه السورة كلها هو محور التربية التي تشتد في وسائلها إلى درجة الحدود وترق إلى درجة اللمسات الوجدانية الرفيقة التي تصل القلب بنور الله وبآياته المبثوثة في تضاعيف الكون وثنايا الحياة والهدف واحد في الشدة واللين هو تربية الضمائر واستجاشة المشاعر ; ورفع المقاييس الأخلاقية للحياة حتى تشف وترف وتتصل بنور الله وتتداخل الآداب النفسية الفردية وآداب البيت والأسرة وآداب الجماعة والقيادة بوصفها نابعة كلها من معين واحد هو العقيدة في الله متصلة كلها بنور واحد هو نور الله وهي في صميمها نور وشفافية وإشراق وطهارة تربية عناصرها من مصدر النور الأول في السماوات والأرض نور الله الذي أشرقت به الظلمات في السماوات والأرض والقلوب والضمائر والنفوس والأرواح
ويجري سياق السورة حول محورها الأصيل في خمسة أشواط
الشوط الأول يتضمن الإعلان الحاسم الذي تبدأ به ; ويليه بيان حد الزنا وتفظيع هذه الفعلة وتقطيع ما بين الزناة والجماعة المسلمة فلا هي منهم ولا هم منها ثم بيان حد القذف وعلة التشديد فيه ; واستثناء الأزواج من هذا الحد مع التفريق بين الزوجين بالملاعنة ثم حديث الإفك وقصته وينتهي هذا الشوط بتقرير مشاكلة الخبيثين للخبيثات ومشاكلة الطيبين للطيبات وبالعلاقة التي تربط بين هؤلاء وهؤلاء
الشوط الثاني ويتناول وسائل الوقاية من الجريمة وتجنيب النفوس أسباب الإغراء والغواية فيبدأ بآداب البيوت والاستئذان على أهلها والأمر بغض البصر والنهي عن إبداء الزينة للمحارم والحض على إنكاح الأيامي والتحذير من دفع الفتيات إلى البغاء وكلها أسباب وقائية لضمانة الطهر والتعفف في عالم الضمير والشعور ودفع المؤثرات التي تهيج الميول الحيوانية وترهق أعصاب المتحرجين المتطهرين وهم يقاومون عوامل الإغراء والغواية
الشوط الثالث يتوسط مجموعة الآداب التي تتضمنها السورة فيربطها بنور الله ويتحدث عن أطهر البيوت التي يعمرها وهي التي تعمر بيوت الله وفي الجانب المقابل الذين كفروا وأعمالهم كسراب من اللمعان الكاذب ; أو كظلمات بعضها فوق بعض ثم يكشف عن فيوض من نور الله في الآفاق في تسبيح الخلائق كلها لله وفي إزجاء السحاب وفي تقليب الليل والنهار وفي خلق كل دابة من ماء ثم اختلاف أشكالها ووظائفها وأنواعها وأجناسها مما هو معروض في صفحة الكون للبصائر والأبصار
الشوط الرابع يتحدث عن مجافاة المنافقين للأدب الواجب مع رسول الله ص في الطاعة والتحاكم ويصور أدب المؤمنين الخالص وطاعتهم ويعدهم على هذا الاستخلاف في الأرض والتمكين في الدين والنصر على الكافرين
الشوط الخامس يعود إلى آداب الاستئذان والضيافة في محيط البيوت بين الأقارب والأصدقاء وإلى آداب الجماعة المسلمة كلها كأسرة واحدة مع رئيسها ومربيها رسول الله ص وتتم السورة بإعلان ملكية الله لما في السماوات والأرض وعلمه بواقع الناس وما تنطوي عليه حناياهم ورجعتهم إليه وحسابهم على ما يعلمه من أمرهم وهو بكل شيء عليم
أسماء السورة الكريمة:
¥