تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[العلمانية وثقافة السلام]

ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[21 Mar 2006, 05:27 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

[العلمانية وثقافة السلام]

في الوقت الذي كان فيه الإنكليز يحتلون البلاد العربية والإسلامية، ويرتكبون الفظائع من قتل وتدمير وإبادة وتجويع وتجهيل في العراق، والهند، ومصر، كان سلامة موسى يتغزل بالإنجليز فهم ""النظاف الأذكياء "" ([1]). وهم "" أرقى أمة موجودة في العالم، والخلق الإنجليز يمتاز عن سائر الأخلاق، والإنسان الإنجليزي هو أرقى إنسان من حيث الجسم والعقل والخلق"" ([2])، ثم دعا إلى التعاون معهم وهم يحتلون البلاد، ويقتلون العباد فقال: "" فنحن إذا أخلصنا النية مع الإنجليز فقد نتفق معهم إذا ضمنا لهم مصالحهم، وهم في الوقت نفسه إذا أخلصوا النية لنا، فإننا نقضي على مراكز الرجعية في مصر، وننتهي منها، فلنول وجوهنا شطر أوربا "" ([3]).

هذا هو ثمن السلام بنظر سلامة موسى أن نتعاون مع الإنجليز، ونضمن لهم مصالحَهم، ومصالحُهم أن يظلوا جاثمين على صدر مصر، ينهبون خيراتها ويستذلون أهلها، ويدوسون كرامتها، ولكن هذا لا يشكل خطراً على سلامة موسى لأنه سيظل هو والنخبة الربيبة ينعمون بالرفاهية، ويتمتعون بالخيرات ما دام أسيادهم راضين عنهم، آمنين لجانبهم.

والربح الذي يحققه سلامة موسى من التعاون مع الإنجليز هو القضاء على الرجعية، والرجعية المقصودة عنده والتي يحلم بالقضاء عليها هي الأزهر الذي يبث فينا ثقافة القرون المظلمة، وشيوخ الأزهر المأفونين، الذين لا يكفون عن التوضؤ على قوارع الطرق ([4]). أليس هذا هو الفاشيست الذي يتحدثون عنه؟!.

واليوم يدعونا طارق حجي إلى الإيمان بحتمية الوصول إلى السلام مع إسرائيل، وعلينا أن نكافح لترسيخ ثقافة السلام بدلاً من ثقافة العدوان ([5]) وأن نسير على خطا السادات لكي تتجنب المنطقة السقوط في العنف والماضوية والتخلف والفقر، وعلينا أن نقبل قيام دولة ديمقراطية لا دينية على كامل تراب فلسطين يتساوى فيها اليهود والمسلمون والمسيحيون ([6]). ويعني هذا أن يتنازل الفلسطينيون عن مقدساتهم، وعن حق العودة للمشردين من أبنائهم ويرضخوا لما يفرضه منطق القوة الإسرائيلي والأمريكي. إنها دعوة للاستسلام تحت عنوان:" الإيمان بحتمية السلام ".

أما مراد وهبة فالعلمانية بنظره هي الحل لمشكلة الشرق الأوسط في فلسطين ([7]) ذلك أنه يعرف العلمانية بأنها "" النظر إلى النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق "" ([8])، ويعني بذلك سيادة النسبية على كافة المستويات، وإقصاء المطلقات من الوجود، لأنه لا وجود لحقيقة مطلقة، والقول بها مجرد خرافة، وسيادة المطلق يهدد السلام العالمي، لأنها ستدخل في صراع كما هو الحال بين المطلقات الثلاثة الإسلامي اليهودي والمسيحي، وليس من وسيلة لحل هذا الصراع إلا بالقضاء على المطلقات، ويتم ذلك بنفي الدوجماطيقية " أي نفي علم العقيدة " لأن مفهوم الحرب كامن في هذا العلم ([9]). لأن هذا العلم قائم على اليقين "" واليقين لا يمكن أن يكون إلا مغلقاً، ولهذا فهو يؤول في المنتهى إلى الدوغمائية التي تُترجَم تعصباً وتحزباً وربما عنفاً وإرهاباً "" ([10]) ومع أن هذا الكلام لا يرضي الناطقين باسم الغائب والمدافعين عن العقائد وحراس النصوص كما يقول الخطاب العلماني ([11]) إلا أنه يقرر ذلك ليؤكد على أن الصراع العربي الإسرائيلي في النهاية هو صراع مطلقات، والحل الوحيد في العلمانية لأنها المضاد الحيوي للأصوليات الدينية التي تغذي المطلقات وتتغذى منها ([12])، وعلى ذلك بدلاً من شعار " الإسلام هو الحل " تصبح " العلمانية هي الحل ".

ولكن تجاهل مراد وهبة هنا أن العلمانية تصالحت مع الصهيونية واليهودية وبررت لهم وجودهم في فلسطين، وشرّعت لاستمرارهم فيها على حساب العرب والمسلمين الذين لم يربحوا شيئاً، ولم يحصلوا على شيء من علمانية مراد وهبة، إلا إذا كان مراد وهبة وأمثاله سيجيبون بأن الربح العربي يتمثل في النجاة من القنابل النووية الإسرائيلية، وهذا ما لا يحسب الأصوليون المسلمون حسابه، لأن الخوف من الموت لا يردعهم عن المطالبة بحقوقهم ولديهم من الآليات والوسائل " الإرهابية " ([13]) ما يجعل إسرائيل تفقد صوابها.

بقي أن نتساءل:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير