ما أصعب الآيات في القرآن إعراباً ونظماً وحكماً؟
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[25 Jan 2006, 09:44 م]ـ
قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين * فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين) (المائدة:105 - 106)
قال الشوكاني رحمه الله: "قال مكيّ: هذه الآيات الثلاث عند أهل المعاني من أشكل ما في القرآن إعراباً ومعنى وحكماً. قال ابن عطية: هذا كلام من لم يقع له النتاج في تفسيرها، وذلك بين من كتابه رحمه الله، يعني من كتاب مكي. قال القرطبي: ما ذكره مكي ذكره أبو جعفر النحاس قبله أيضاً. قال السعد في حاشيته على الكشاف: واتفقوا على أنها أصعب ما في القرآن إعراباً ونظماً وحكماً" أ. هـ.
ـ[الكشاف]ــــــــ[26 Jan 2006, 02:34 م]ـ
ليتكم تحررون وتفصلون سبب هذه الصعوبة عند أبي جعفر النحاس ومكي وغيرهم حتى يتضح الأمر للجميع. ولعلك تراجع كتاب (الدر المصون) للسمين الحلبي 4/ 450 وما بعدها (تحقيق د. أحمد الخراط) فقد نقل السمين الحلبي نص كلام مكي، وذكر السمين أن (هذه الآية وما بعدها من أشكل القرآن حكماً وإعراباً وتفسيراً، ولم يزل العلماء يستشكلونها ويَكِعُّون - أي يَجْبُنُون - عنها). وذكر أن مكي قال: (ويحتمل أن يبسط ما فيها من العلوم في ثلاثين ورقة أو أكثر ... وقد ذكرناها مشروحة في كتاب مفرد).
ولولا ضيق الوقت لكفيت الأمر أخي عبدالله، غير أنك من ابتدأ الفائدة فأتممها رعاك الله وسددك.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[26 Jan 2006, 04:52 م]ـ
قال ابن عطية في المحرر الوجيز (طبعة قطر 5: 77): ((قال مكي بن أبي طالب رضي الله عنه: هذه الآية عند أهل المعاني من أشكل ما في القرآن: إعرابًا ومعنًى وحكمًا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا كلام من لم يقع له الثَّلجُ في تفسيرها، وذلك بيِّن من كتابه رحمه الله)).
قال المحقق: ثلجت النفس بالشيء: رضيت به، وارتاحت واطمانت إليه، وقيل: عرفته وسُرَّت به.
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[27 Jan 2006, 12:03 ص]ـ
أولاً، أرحب بكما وأسأل الله لكما الفلاح في الدنيا والآخرة، وقد نُقل أن الصعوبة في ثلاثة: في الحكم، والإعراب، و النظم. أما بالنسبة للنظم فإني لا أراه إلا وجهاً من وجوه الاعجاز البلاغي - اختصار اللفظ مع المعاني الجمّة - المعروفة في القرآن، كما في أول السورة نفسها، في قوله تعالى
(يَا أَيُّهَا ?لَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِ?لْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ?لأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى? عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ?لصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ?للَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ).
قال الشوكاني - رحمه الله - في تفسيره لهذه الآية
(هذه الآية التي افتتح الله بها هذه السورة إلى قوله: {إِنَّ ?للَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} فيها من البلاغة ما تتقاصر عنده القوى البشرية، مع شمولها لأحكام عدّة: منها الوفاء بالعقود، ومنها تحليل بهيمة الأنعام، ومنها استثناء ما سيتلى مما لا يحلّ، ومنها تحريم الصيد على المحرم، ومنها إباحة الصيد لمن ليس بمحرم. وقد حكى النقاش: أن أصحاب الفيلسوف الكندي قالوا له: أيها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرآن، فقال: نعم أعمل مثل بعضه، فاحتجب أياماً كثيرة ثم خرج فقال: والله ما أقدر، ولا يطيق هذا أحد، إني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة، فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء، ونهى عن النكث، وحلل تحليلاً عاماً، ثم استثنى بعد استثناء، ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين، ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا) أ. هـ.
أما بالنسبة للصعوبة حكماً - كما صرح مكّي - فيكفي في الوقوف على طرف من ذلك اختلاف آراء العلماء حول المقصود بقوله (اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم)، - فضلاً عن ما في سائر الآية - وقد حصرها إجمالاً ابن الجوزي في زاد المسير، فقال - رحمه الله:
"وفي قوله: «منكم» قولان:
أحدهما: من أهل دينكم وملتكم، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد ابن المسيب، وسعيد بن جبير، وشريح، وابن سيرين، والشعبي، وهو قول أصحابنا.
والثاني: من عشيرتكم وقبيلتكم، وهم مسلمون أيضاً، قاله الحسن، وعكرمة، والزهري، والسدي.
قوله تعالى: {أو آخران من غيركم} تقديره: أو شهادة آخرين من غيركم. وفي قوله: «من غيركم» قولان.
أحدهما: من غير ملتكم ودينكم، قاله أرباب القول الأول.
والثاني: من غير عشيرتكم وقبيلتكم، وهم مسلمون أيضاً، قاله أرباب القول الثاني،
وفي «أوْ» قولان.
أحدهما: أنها ليست للتخيير، وإِنما المعنى: أو آخران من غيركم إِن لم تجدوا منكم، وبه قال ابن عباس، وابن جبير، والثاني: أنها للتخيير، ذكره الماوردي" أ. هـ.
وأما الصعوبة إعراباً، فإني وجدت نفَسَاً من ذلك عند الزمخشري في "الكشاف" (اسمك المستعار، جعل الله لك من علمه أوفر الحظ والنصيب) وكذلك عند الطبري، وهو كعادته يرجح عقب الخلاف الإعرابي ما يراه، بخلاف الزمخشري، فقد رأيته يورد الاحتمالات الاعرابية لهذه الآية دون ترجيح واضح، وأما كتاب "الدر المصون" فليس عندي - مع بالغ الشكر على الإحالة - ولعلي أبحث عنه، وإن استطعت أن تنقل أهم ما جاء فيه تؤجر إن شاء الله.
¥