تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[صورة الجاهلية فى القرآن الكريم]

ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[01 Jan 2006, 01:38 ص]ـ

كان عرب الجاهلية فى عمومهم يعبدون آلهة متعددة، وكانوا لا يتصورون أن يكون الإله واحدا، وعندما جاءهم الرسول الكريم بالتوحيد لقى منهم التكذيب والعنت الشديد، وأخذ الأمر منه زمنا طويلا حتى اقتنعوا أخيرا بما جاءهم به. بل إنه بعد أن أنفق فى الدعوة فى مكة ثلاث عشرة سنة بذل فيها كل جهد ممكن وغير ممكن وتعب تعبًا بالغًا لم يؤمن به إلا القليلون، مما اضطره هو ومن آمن معه من أهل مكة إلى الهجرة إلى يثرب، وعندئذ تغير وجه المسيرة الدعوية، وانتهى الأمر بأن أسلمت الجزيرة العربية كلها لا مكة فحسب. وكانوا فى بداءة الأمر يستغربون منه، عليه السلام، أن يهاجم الأوثان ويغضبون لذلك أعنف الغضب، بل لقد فكر مشركو مكة فى قتله أو فى حبسه لولا أن نبهه الله سبحانه وأمره بترك موطنه والنزوح إلى بلد جديد يكون فيه مصير الدعوة الجديدة أكثر توفيقا: "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال/ 30). ومما نزل من الوحى فى هذا الموضوع قوله تعالى: "أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ* وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ" (ص/ 5 - 6). وسبب نزول هاتين الآيتين، على ما ترويه كتب أسباب النزول والتفاسير، أنه لما أسلم عمر رضي الله عنه شَقَّ ذلك على قريش فأَتَوْا أبا طالب وقالوا: أنت شيخنا وكبيرنا، وقد علمتَ ما فعل هؤلاء السفهاء، وإنا جئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك. فاسْتَحْضَرَ أبو طالب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وقال: هؤلاء قومك يسألونك السَّوَاء، فلا تَمِلْ كل الميل عليهم. فقال صلى الله عليه وسلم: ماذا يسألونني؟ فقالوا: ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا، ونَدَعك وإلهك. فقال: أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم، أَمُعْطِيَّ أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتَدِين لكم بها العجم؟ فقالوا: نعم وعَشْرًا. فقال: قولوا: لا إله إلا الله. فقاموا وقالوا: "أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا؟ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ! ". وانطلق أشراف قريش من مجلس أبي طالب بعدما بكَّتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلين بعضهم لبعض: اصبروا واثبتوا على عبادة آلهتكم، فإن مكالمته لا تنفعكم. إن هذا الأمر لَشَيْءٌ من ريب الزمان يراد بنا فلا مردّ له، أو أن هذا الذي يدعيه من التوحيد أو يقصده من الرئاسة والترفع على العرب والعجم لشيءٌ يريده كل أحد، أو أن دينكم لشيءٌ يُطْلَب ليؤخذ منكم. ما سمعنا بالذي يقوله في الملة التي أدركنا عليها آباءنا، أو في ملة عيسى عليه الصلاة والسلام التي هي آخر الملل، فإن النصارى يثلِّثون. ما هذا إلا كذبٌ اختلقه محمد. وهناك خبر آخر يبين لنا مدى تمسك الكفار بأوثانهم وكراهيتهم أن يسمعوا فيها شيئا يخالف اعتقاداتهم بشأنها. وخلاصته، كما جاء عند الواحدى فى "أسباب النزول"، أن "خمسة نفر: عبد الله بن أبي أمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري والعاص بن عامر قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ائْتِ بقرآن ليس فيه تَرْك عبادة اللات والعُزَّى". وجاء أيضا فى "أسباب النزول" للواحدى أن "وفد ثقيف أَتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فسألوا شططًا وقالوا: متِّعْنا باللات سَنَةً، وحَرِّمْ وادينا كما حَرَّمْتَ مكة: شجرها وطيرها ووحشها. فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وقد تتالت الآيات التى تنبههم إلى سخف هذا اللون من التفكير والاعتقاد، لكن تشبثهم بما فى رؤوسهم كان عنيفا، وهذا يفسر التكرار الكثير لدعوة التوحيد فى القرآن الكريم والحملة على الشرك: "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا" (الأنعام/ 151)، "وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" (يونس/

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير