[" لا تكن كصاحب الحوت ": رحلة الخروج من بطن الحوت]
ـ[عزام عز الدين]ــــــــ[22 Feb 2006, 06:09 م]ـ
نزلت اول اشارة الى الايجابية في القرآن الكريم مبكرا جدا في سورة القلم-ثاني ما انزل من القرآن الكريم (فأصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم. لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم) القلم 49.
صاحب الحوت؟ اصبر لحكم ربك؟.
القصة معروفة اليوم طبعاً – ولا شيء قط يمنع أن تكون معروفة حتى في مكة الجاهلية، وسط بيئة تجارية مزدحمة بديانات مختلفة وتشكل محطاً للقوافل الغادية والرائحة.
وعلينا ان نتذكر هنا ان ورقة ابن نوفل – ابن عم خديجة – الذي رأى في (اقرأ) .. الناموس كله، والذي اخبر الرسول أن قومه سيخرجونه – كما في حديث السيدة عائشة الذي رواه البخاري – كان على الأغلب لا يزال على قيد الحياة في هذه المرحلة المكية المبكرة مما يعني انه لا يزال على الساحة، كما فعل مع أول نزول الوحي بـ أقرأ، - فأذا كان الرسول قد أشكل عليه أمر (صاحب الحوت) – الذي يأمره الوحي إن لا يكون مثله في جزئية معينة – فأن ورقة الذي كان يقرأ من التوراة بالعبرانية – كما يشير البخاري بالذات كان ولا بد سيسعف محمداً بتفاصيل قصة صاحب الحوت: يونس ..
وبغض النظر عن التفاصيل المسهبة في القراءة التوراتية لقصة يونس – او يونان – فان عقل محمد وقلبه كان له ولا شك فهم خاص لمغزى القصة: فهم شخصي وحميم – فهم ينطلق من واقع تجربته النبوية التي يمر بها، ومن تفصيل دقيق فيها، ذاك الذي يجعل الوحي الإلهي يتنزل فيقول: ولا تكن كصاحب الحوت ..
فمحمد – كان في هذه المرحلة بالذات، ولا بد يعاني مما عاناه صاحب الحوت، يونس فنزلت عليه الآيات: اصبر … لا تكن كصاحب الحوت …
من هذا التفصيل المحوري الدقيق كان ولا بد فهم محمد لقصة يونس.
ومن هذه النقطة يبدء فهمنا لها.
* * *
الخروج من بطن الحوت
لا يقدم الخطاب القرآني صاحب الحوت، يونس، الا في اللحظات الأزمة، بعد خروجه من نينوى، - ولا يرد أي ذكر لما قبل الخروج في المواضع الثلاث التي تطرق لها الخطاب القرآني إلى قصة يونس وهي: الأنبياء (87 – 88) – الصافات (139 – 148)، والقلم (48 – 50) – وكل السور بالمناسبة مكية مثل كل الأمثلة القرآنية السابقة.
والتركيز على يونس بعد خروجه من نينوى له دلالات تتكشف بالتدريج عبر الغوص في القصة – والسياق العام الوارد عبر الخطاب القرآني لا يعارض شيئا من التفاصيل التوراتية لما قبل الخروج ..
وتركيز الخطاب القرآني ابتداء على الطرح (الشخصي) لمسالة صاحب الحوت يجعل من قصة يونس بأكملها ذات طابع مختلف ومرتبط بالشخصية النبوية مباشرة – بل ان هذا الارتباط الشخصي سيجعلها مهيمنة على نواحي كثيرة من فهمنا للخطاب القرآني – فقد مر الرسول بها – بقصة يونس وتجربته المماثلة ليونس، وبالأمر الإلهي الهائل (لا تكن كصاحب الحوت) – وهضم كل ذلك وتمثله – ثم انطلق بعد ان أضافت له هذه التجربة وهذا الفهم في تلقي الخطاب القرآني ولكن بروحية جديدة – روحية مختلفة عن روحية صاحب الحوت.
يقدم لنا الخطاب القرآني يونس – او يونان بن متي كما تسميه التوراة – في لحظة مواجهة صعبة مع الواقع والمجتمع ومفرداتهما – لكنها لحظة مواجهة تنتهي بالفرار من المواجهة. فقد أمر الله يونس بان يدعو قومه، وكانت تلك الدعوة هي تغيير المجتمع الوثني الذي عاش فيه يونس. وكان يونس وحيداً. وكان مجتمعه في نينوى عريق الجذور في حضارة ذات طبيعة مادية هي الحضارة الآشورية – وكانت نينوى وقراها نموذجا لكل مظالم الوثنية والجاهلية ومباذلها – كانت نموذجا للحضارة الطاغية التي ينسحق الإنسان تحت قواعدها دون رحمة او شفقة ..
أمام معابد نينوى الشاهقة، وتماثيلها الهائلة الحجم، وثيرانها المجنحة، لا بد أن يونس وقف مذهولا حائرا مرتبكا، وسؤال واحد يتردد في باله: ماذا بوسعه ان يفعل امام كل ذلك؟ ماذا بوسع رجل واحد ان يفعل؟ وإذا كان لا بد وإيصال الرسالة هل سيجدي الأمر شيئا؟
¥