[منزلة الاستشهاد بالقرآن الكريم بين مصادر الاستشهاد النحوية للدكتور محمد عبدالله عطوات]
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[17 Jan 2006, 07:40 م]ـ
هذا بحث ماتع للدكتور محمد عبدالله عطوات، الأستاذ في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة طرابلس بلبنان. وهي تدور حول موضوع الاستشهاد بالقرآن الكريم في مسائل النحو، وتصحيح بعض الأفكار حوله. وقد نشر هذا البحث في العدد 100 من مجلة التراث العربي التي تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق.- رمضان 1426هـ.
[ line]
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً: موازنة بين الاستشهاد بالقرآن الكريم، والاستشهاد بالشعر:
أ- إذا قارنا بين الاستشهاد بالقرآن الكريم وبين مصادر الاستشهاد الأخرى من شعرٍ وحديث وغيرهما فإننا نجد أن القرآن الكريم هو الأصل الأول لهذه المصادر، وهو الدعامة التي ترتكز. عليها مصادر الاستشهاد الأخرى.
ذلك أن الشعر العربي الجاهلي أو الإسلامي كان في نظر النحاة منبعاً يمدُّ النحو بالحياة والنمو والحركة، وعلى أساسه ملئت صفحات كتب النحو بالقواعد التي يصعب حصرها، ويصعب استيعابها، ومع ذلك فإن هذا الشعر أثر من آثار القرآن الكريم، وفضلٌ من أفضاله على النحو واللغة، ولولا القرآن الكريم ما جُمِعَ هذا الشعر وما عني به الرُّواة.
ولا أدلّ على ذلك من أن "ابن الأنباري كان يحفظ ثلاث مئة ألف بيت شاهد في القرى، الكريم ([1]) ".
والشافعي الفقيه الكبير صاحب المذهب المعروف في الفقه "كان يحفظ عشرة آلاف بيت من شعر هذيل بإعرابها، وغريبها ومعانيها ([2]) ".
وقد عَرَف للقرآن منزلته نُقَّادُ الأدب فكانوا يُصَحِّحون الشعر على هدى من أسلوب القرآن ونهجه، فأبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري (ت 487هـ) يقول في كتابه التنبيه على أوهام أبي علي في أماليه" ما نصه: "وأنشد أبو علي رحمه الله للفرزدق:
فقلت ادْعي وأدع فإن أندى * لصوت أن ينادي داعيان
هذا البيت ليس للفرزدق، وقد نُسب إلى الحطيئة، ولم يروِهِ أحدٌ في شعره، والصحيح أنه لدثار بن شيبان، ودثار هو الذي حمله الزبرقان على هجاء بني بغيض
وقوله: (وأدْعُ) على توهم اللام، ولو أظهرها كان خيراً كما قال الله سبحانه وتعالى: "اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ([3]) ".
وروى صاحب "الطراز" أن ذا الرِّمَّة قال في قصيدته الحائية:
إذا غيَّر النأى المحبِّين لم يكد * رسيس الهوى من حبِّ مية يبرح
فناداه ابن شبرعة: أراه الآن قد برح، فأخذ يفكر، ثم قال:
إذا غيَّر النأى المحبين لم أجد * رسيس الهوى من حبِّ ميَّة يبرح
قال عنبسة: فحكيت لأبي القصة، فقال: أخطأ ابن شبرمة حين أنكر على ذي الرِّمَّة، وأخطأ ذو الرِّمَّة حيث غيَّر شعره لقول ابن شبرمة، إنما هذا كقول الله تعالى: "ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ([4]) "،والمعنى أنه لم يرها ولم يقارب رُؤْيتها ([5]).
والنحاة أنفسهم كانوا يؤمنون بهذا الاتجاه، ويعتقدون أن الشعر دون القرآن في موطن الاستشهاد، وفي مجال بناء القاعدة. فالفراء يقول في معرض إعرابه لقوله تعالى "وحور عين ([6]) " "والكتاب أعرب، وأقوى في الحجة من الشعر ([7]) ".
ولما كان القرآن الكريم قبله النقاد والعلماء فإننا نستغرب كيف أن بعض العلماء وفي العصر الحديث ينكر أن يكون هذا القرآن هو الأصل الأول في الاستشهاد، لأن الذي يستحق هذه المنزلة إنما هو الشعر، وذلك حيث يقول أحدهم: "ولا نزاع في أن كلام العرب هو الأصل الذي يقاس به القرآن الكريم حتى تصح الموازنة التي أوجبها التحدِّي، وما كان أصلاً يجب أن يكون الدليل المقدَّم ([8]) ".
ب ـ وإذا قارنَّا بين القرآن الكريم وبين الشعر من زاوية التوثيق ندرك أن الله تعالى سخَّر جنوده من العلماء والصحابة وأولي الرأي لحفظ النص القرآني وصيانته.
أما الشعر، وبخاصة الشعر الجاهلي، فقد أُثيرت حوله ضجَّة، وكان مصدر هذه الضجة الدكتور طه حسين في كتابه "في الأدب الجاهلي"، فقد شكَّ في قيمة هذا الأدب الجاهلي
¥