تساؤل حول قوله تعالى: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أ
ـ[فاروق]ــــــــ[05 Jan 2006, 12:08 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
يقول الله تعالى في سورة البقرة:
(مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ... البقرة- الجزء الأول)
في هذه الآية إذا كانت "الآية"هي العبارة القرآنية المكونة من كلمات .. فلماذا يختم الله تعالى
الآية:أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ولم يقل عز وجل أن الله بكل شيء عليم أو حكيم .. ؟؟
هل صفة القدرة تتناسب مع العلم .. ؟؟
هل هناك آيات أخرى في القرآن الكريم مماثلة .. ؟؟
اعذروني إن أسأت التعبير .. !!
ـ[فاروق]ــــــــ[19 Jan 2006, 11:12 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
من يرفع عني هذا اللبس .. حول تساؤلي.!؟
ـ[روضة]ــــــــ[20 Jan 2006, 01:18 ص]ـ
إن من مظاهر إعجاز القرآن الكريم أن الكلمة فيه تقع موقعها اللائق بها، فلا يمكن استبدالها بكلمة أخرى، وإلا أدى ذلك إلى اضطراب في الكلام.
وإنما كان ذلك كذلك لأن القرآن في أعلى طبقات البلاغة، وعمود البلاغة ـ كما يقول الإمام الخطابي ـ:"هو وضع كل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به، الذي إذا بُدّل مكانه غيره جاء منه: إما تبدّل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام، وإما ذهاب الرونق الذي يكون معه سقوط البلاغة؛ ذلك أن في الكلام ألفاظاً متقاربة في المعاني يحسب أكثر الناس أنها متساوية في إفادة بيان مراد الخطاب، والأمر فيها وفي ترتيبها عند علماء أهل اللغة بخلاف ذلك، لأن لكل لفظة خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها، وإنْ كانا قد يشتركان في بعضها" [ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، رسالة الخطابي، البيان في إعجاز القرآن، ص29].
فالكلمة القرآنية مظهر من مظاهر الإعجاز البياني، والفاصلة القرآنية هي كلمة في آخر الآية، هذه الكلمة كغيرها من كلمات القرآن تُختار اختياراً دقيقاً؛ لتؤدي الرسالة التي جاءت من أجلها، ويظهر فيها إعجاز القرآن، وهذا هو حظ الفاصلة من الإعجاز. (كما سماه الحسناوي في كتابه الفاصلة في القرآن، ص178).
للإجابة على سؤال الأخ فاروق الذي يتعلق بسر اختيار التعبير بالقدرة دون التعبير بالعلم أو الحكمة، يجب أولاً معرفة معنى الآية، لأن معرفة وجه البلاغة تتفرع عن المعنى.
من ينظر في التفاسير يجد أن المفسرين ذهبوا مذهبين في معنى قوله تعالى: "ما ننسخ من آية أو ننسها ....... "
المذهب الأول: المراد بالنسخ نسخ الأحكام الشرعية، بمعنى إزالة حكم بحكم شرعي آخر، وهذا بناء على أن معنى كلمة (آية) هو: الآية من القرآن.
المذهب الثاني ـ وهو ما أرجحه ـ: ما ذكره جمع آخر من المفسرين، منهم الشيخ محمد رشيد رضا، وشيخه الإمام محمد عبده، فهم يرون أن معنى كلمة (آية)، هو: "ما يؤيد الله تعالى به الأنبياء من الدلائل على نبوتهم" [تفسير المنار، (417:1)]
وقالوا إن نسخ الأحكام الشرعية يُفهم من قوله تعالى: "وإذا بدلنا آية مكان آية"، ولا يفهم من قوله: "ما ننسخ من آية"، واستدلوا على ذلك بأمور عدة، منها السياق، ومنها بلاغة الفاصلة في كل آية.
قال الشيخ محمد رشيد نقلاً عن الإمام: " وإذا وازنا بين سياق آية (ما ننسخ) وآية (وإذا بدلنا آية مكان آية) نجد أن الأولى ختمت بقوله تعالى: (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) والثانية بقوله: (والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر)، ونحن نعلم شدة العناية في أسلوب القرآن بمراعاة هذه المناسبات، فذكر العلم والتنزيل ودعوى الافتراء في الآية الثانية يقتضي أن يراد بالآيات فيها آيات الأحكام.
وأما ذكر القدرة والتقرير بها في الآية الأولى فلا يناسب موضوع الأحكام ونسخها، وإنما يناسب هذا ذكر العلم والحكمة، فلو قال: (ألم تعلم أن الله عليم حكيم)، لكان لنا أن نقول إنه أراد نسخ آيات الأحكام؛ لما اقتضته الحكمة من انتهاء الزمن أو الحال التي كانت فيها تلك الأحكام موافقة للمصلحة".
ثم قال: "والمعنى الصحيح الذي يلتئم مع السياق إلى آخره أن (الآية) هنا هي ما يؤيد الله تعالى به الأنبياء من الدلائل على نبوتهم، أي: (ما ننسخ من آية) نقيمها دليلاً على نبوة نبي من الأنبياء، أي نزيلها ونترك تأييد نبي آخر بها، أو ننسها الناس لطول العهد بمن جاء بها، فإننا بما لنا من القدرة الكاملة، والتصرف في الملك نأتي بخير منها في قوة الإقناع وإثبات النبوة، أو مثلها في ذلك، ومن كان هذا شأنه في قدرته وسعة ملكه فلا يتقيد بآية مخصوصة يمنحها جميع أنبيائه، والآية في أصل اللغة هي الدليل والحجة والعلامة على صحة الشيء، وسميت جمل القرآن آيات لأنها بإعجازها حجج على صدق النبي، ودلائل على أنه مؤيد فيها بالوحي من الله عز وجل، من قبيل تسمية الخاص باسم العام.
ولقد كان من يهود من يشكك في رسالته عليه السلام بزعمهم أن النبوة محتكرة لشعب إسرائيل، ولقد تقدمت الآيات في تفنيد زعمهم ....
ـ ثم قال ـ: كأنه يقول إن قدرة الله تعالى ليست محدودة ولا مقيدة بنوع مخصوص من الآيات أو بآحاد منها لا تتناول غيرها، وليست الحجة محصورة في الآيات السابقة لا تتعداها، بل الله قادر على أن يأتي بخير من الآيات التي أعطاها موسى وبمثلها، فإنه لا يعجز قدرته شيء، ولا يخرج عن ملكه شيء، كما أن رحمته ليست محصورة في شعب واحد فيخصه بالنبوة ويحصر فيه هداية الرسالة، كلا إن رحمته وسعت كل شيء، كما أن قدرته تتصرف بكل شيء من ملك السموات والأرض الذي لا يشاركه فيه مشارك، لا ينازعه فيه منازع، فيكون ولياً ونصيراً لمن كفر بنعمه وانحرف عن سننه.
انظر كيف أسفرت البلاغة عن وجهها في هذا المقام فظهر أن ذكر القدرة وسعة الملك إنما يناسب الآيات بمعنى الدلائل دون معنى الأحكام الشرعية". [المنار، (416:1،417)]
أرجو أن يكون فيما نقلته عن تفسير المنار الشفاءُ والغَناءُ.
¥