الأصول العامّة لتحليل النص القرآني
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[05 Mar 2006, 09:48 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
نشر في العدد الأخير من مجلة العرب (محرم وصفر 1427هـ) مقال بعنوان:
الأصول العامّة لتحليل النص القرآني
للدكتور قاصد ياسر الزيدي. الأستاذ بكلية التربية للبنات بجامعة بغداد بالعراق. وبحثت عنه في موقع المجلة الالكتروني فوجدته، فأحببت نقله للفائدة.
[ line]
لا بدّ للباحث المحلل للنص القرآني من اعتماد أصول عامّة منوّعة، تعينه على فهم النص الكريم فهمًا دقيقًا شاملاً، يتناول أطُرَه المختلفة وصوره المتعددة، بما فيها من معان وجمال وأساليب. ويمكن إجمال هذه الأصول العامّة بما يأتي:
(1) وجوب فهم النص المراد تحليله فهمًا جيّدًا أوّلاً، في ضوء كتب التفسير ومعاني القرآن، وكتب مفردات القرآن، والوجوه والنظائر في القرآن، وكتب البلاغة، وكتب إعجاز القرآن، وما إليها.
(2) ملاحظة (علوم القرآن) المختلفة المتعلقة بالنص الكريم المراد تحليله، من أجل فهمه فهمًا سليمًا متكاملاً، وذلك بالرجوع إلى (أسباب النزول)، من حيث إنها تلقي ضوءًا على النص المراد تحليله، وتكشف عن ظروفه التي صحبته عند نزوله، من حيث الزمان والمكان والأحداث.
وينبغي الرجوع أيضًا إلى علم (المكي والمدني)؛ إذ إنّ أسلوب السُّوَر المكية يختلف في كثير من الأحيان عن أسلوب السُّوَر المدنية، في صفات وخصائص عدّة، من حيث إنّ المكية تُعنى قبل كل شيء بأصول العقيدة الإسلامية: من توحيد الله تعالى، وإيمان بكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر، وما يتعلق به من بعث ونشور، وما إلى ذلك. على حين تُعنى السُّوَر المدنية كثيرًا بالتشريع والأحكام، وبالجوانب الاقتصادية، كالزكاة والخمُس والصدقات والدِّيات والكفّارات والإرث، وما إليها. هذا إلى جانب عنايتها بالنواحي العبادية العملية: من صلاة وصوم وحجّ وعمرة ونذور ... كما تُعنى هذه السُّوَر بالقضايا الاجتماعية: من زواج وطلاق وعِدّة وصداق، وما إليها.
ومن علوم القرآن التي ينبغي على المحلل أن يلتفت إليها، معرفة (الْمُحْكَم والمتشابه) ولاسيما (متشابه الصفات)، صفات الله تعالى، لئلاّ يحملها المحلل للنص الكريم على غير المراد.
وينبغي على المحلل للنص الكريم الالتفات إلى (الناسخ والمنسوخ) من نصوص القرآن؛ لئلاّ يقع في وَهْم الأخذ بما هو منسوخ من الآيات، ولاسيما ما يتعلق منها بالتشريع؛ إذ لا خلاف بين أهل العلم في أنّ المنسوخ لا يجوز العمل به، بل يعمل بالناسخ له.
(3) دراسة النص المراد تحليله من جانبه اللغوي، بحيث يتناول المحلل ابتداء تفسير (الألفاظ القرآنية الغريبة)، وهي الألفاظ التي تحتاج إلى شرح وبيان، وهو ما يعرف الاصطلاح بـ (غريب القرآن)، مثل: الرحمن، ويوم الدين، والصراط، والصّمد، والقارعة، والواقعة، وثُلَّة، وما إليها.
وقد أُلِّفتْ في هذا العلم كتب كثيرة قديمًا وحديثًا، من أشهرها "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة الدينوري (ت276هـ)، و"تفسير غريب القرآن" المسمى نزهة القلوب، لمحمد بن عزيز السجستاني (ت330هـ)، و"مفردات ألفاظ القرآن" للراغب الأصفهاني (ت 420هـ)، وهو أفضلها؛ وذلك لما فيه من إبداع في تفسير أغلب الألفاظ القرآنية الغريبة؛ إذ كان مؤلفه يلحظ السياق عند ذلك، فامتاز بذلك ممن سبقه من أصحاب غريب القرآن (1).
(4) ملاحظة أثر النص القرآني الكريم في دقة استعمال غريب الألفاظ، كاستعمال (المائدة) للخُوان الذي عليه طعام، وإلاّ سُمِّي (خوانًا)، ولم يُسمَّ (مائدة)، كما في قوله ? على لسان عيسى ?: ? اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ? [المائدة 114]. ومثله استعمال (صكَّ) للضرب الشديد، بدل (ضرب)،كما في قوله تعالى: ? فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ?، في قصة امرأة إبراهيم ?، مستغربة بذلك ومتعجبة من خبر حملها بولد، وهي عجوز عقيم، وغير ذلك من استعمالات دقيقة في تعبير القرآن.
(5) الإشارة إلى (اللهجات العربية)، ذات الصلة بالنص القرآني المراد تحليله وربطه قدر الإمكان بالمعنى المراد، وبالبيئة العربية القديمة التي نطق بها، كالحجاز ونجد، وتهامة، واليمن، وما إليها. وذلك نحو تسهيل الهمز أو تحقيقه، والإمالة، والمدّ والقصر، ونحوها من لهجات (2).
¥