[يونس، هود، و يوسف: الثلاثية القرآنية و اشياء اخرى ..]
ـ[عزام عز الدين]ــــــــ[08 Mar 2006, 03:06 ص]ـ
سورة يوسف هي سورة مميزة ومختلفة عن النسيج العام للخطاب القراني. ووجه الاختلاف في سورة يوسف عن بقية النسيج القراني، انها وحدها، تنفرد بالسرد المتتابع لقصة نبي من البداية إلى النهاية – دوناً عن بقية الانبياء والرسل الذين ترد قصصهم في سور مختلفة ودونما اعتماد على التتابع الزمني.
وتختلف ايضاً ان قصة يوسف لاترد الا في هذه السورة بالذات. وذكره لايأتي ابداً الا بصورة عابرة، تذكيرية في سورتين اخرتين هما الانعام (ومن ذريته داود وسليمان وايوب ويوسف .. ) 84 الانعام – و (ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات) 34 غافر – والسورتان مكيتان، مثل سورة يوسف التي هي مكية بمعظمها بأستثناء الثلاث ايات الاولى التي انزلت في المدينة والحقت ببداية السورة ..
ولأسباب عديدة، قد يكون هذا الاختلاف من ضمنها، اثارت سورة يوسف الانتباه واستقطبت العديد من الدراسات والمؤلفات التي ركزت خصوصاً على دراسة الجوانب الفنية والجمالية في البناء القصصي لسورة يوسف …
لكن سورة يوسف يجب ان لاتعزل عن السياق المحيط بها في الخطاب القرآني، عند دراستها، حتى لو كانت مختلفة عن هذا السياق ومتميزة عنه.
ان سورة يوسف، تتميز ايضاً بان ترتيبها الحالي في القران مطابق لترتيب نزولها بعد سورتي يونس وهود. وفي هذا لابد ان يكون معنى خاص يجعل من السور الثلاثة يونس، هود، يوسف – اقرب إلى الثلاثية المتسلسلة التتابع، منها إلى ان تكون منفصلة عن بعضها، رغم كون البناء القصصي في (سورة يوسف) مختلفاً عن سابقيه في يونس وهود.
ان هذا الارتباط – الاختلاف لابد ان يكون ذا مغزى ودلالة. فالسور الثلاثة مرتبطة معاً بالتسلسل الزمني وقت النزول – وبالتسلسل الترتيبي الذي يقرأه ملايين المسلمين منذ اكثر من ألف عام، لكن على جهة اخرى: هناك التميز الذي اختصت به سورة يوسف لاعن الثلاثية التي تنتمي اليها فحسب – ولكن عن بقية السور القرآنية ككل .. ولا بد ان يكون هذا الارتباط – الاختلاف قد حصل لحكمة لهدف. بدلالة ومغزى ومعنى ..
فهل وصل الينا شيء من الاثر الذي احدثه هذا الاختلاف – الارتباط في الفترة المكية؟
نعم لقد وصل الينا اثر مهم يحمل دلالة مميزة.
* * *
من دون كل السور القرانية، يصل الينا حديث عن الرسول (صلى الله عليه و سلم) ليصف تفاعله مع (هود واخواتها) .. على حد تعبيره الشريف: شيبتني هود واخواتها (ابي يعلى 880، المعجم الكبير، 790، 318). شيبته؟ لماذا ياترى؟ ما الذي فيها بالذات – هود واخواتها – الذي يجعل الرسول الكريم يصف هذا الوصف المفزع لتفاعله مع هذه السور بالذات؟
* * *
نستطيع ان نستنتج، من كون سورة يونس نزلت بعد سورة الاسراء، ان هذه الثلاثية المترابطة: هود واخواتها، نزلت في فترة مكية متأخرة نسبياً، اعتماداً على كون حادثة الاسراء قد حصلت .. في اغلب الروايات – قبل الهجرة بسنة واحدة، أي في الثانية عشر للبعثة. وحتى لو كانت حادثة الاسراء، ابكر من هذا الموعد، فان (هود واخواتها) ستظل محتفظة بموقع النزول في وقت ما من الثلاث سنوات الاخيرة في مكة.
وكانت تلك الفترة صعبة في حياة الدعوة، اذ اشتد فيها عداء قريش و محاربة الملأ المكي لمحمد (صلى الله عليه و سلم)، خاصةً بعد وفاة ابي طالب عم النبي الذي مثل سنداً عشائرياً مهماً لمحمد تمكن من حمايته في عدة مرات سابقة. وكذلك بعد وفاة خديجة زوجته التي كانت سنداً معنوياً مهماً منذ بداية بعثته.
من جديد، وجد محمد (صلى الله عليه و سلم) نفسه وحيداً، رغم ان عدد اتباعه زاد – الا ان احساسه بالوحدة تضاعف بعد وفاة عمه وزوجته – وكان ذلك قبل حادثة الاسراء.
وكانت قريش قد تفننت – في هذه الفترة – بمحاربة الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى انها حاصرت بني هاشم في شعاب مكة ومنعتهم الاسواق، وكتبت في ذلك العهود والمواثيق ورغم ان هذا الحصار كسر فيما بعد الا ان فترته الطويلة – سنتين إلى ثلاث سنوات – تركت اثرها حتماً على طبقة المؤمنين: لقد افهمتهم لاي مدى يمكن ان تمضي قريش في حربها ضدهم.
ثم كانت وفاة ابي طالب. ثم ام المؤمنين خديجة.
¥