دراسة نقدية لتأويل معنى " يَسْتَفِزَّهُمْ " في الآية 103 من سورة الإسراء
ـ[عبدالرحيم]ــــــــ[01 Dec 2005, 05:18 م]ـ
مقدمة
حين يستشكل فهم المراد من آية في القرآن الكريم، عند قراءة المسلم لكتاب الله تعالى. فإن أول ما يخطر بباله هو التوجه إلى كتب السادة المفسرين ـ رحمهم الله تعالى ـ.
وغالب كتب السادة المفسرين مبنية على ما قبلها، إما اختصاراً أو شرحاً .. مع فوائد جديدة تحددها نظرة المفسر إلى الغاية من ذلك التفسير، هل هي العناية بالتفسير بالمأثور أو البلاغي أو الفقهي أو الاجتماعي ..
وكثيراً ما ينقل المفسر عمن سبقه دون كثير تدبر، ثقةً بمن سبقه، وتقليداً من التلميذ لشيخه علامةً على التقدير والاحترام.
ولما صار القرآن الكريم محل نقدٍ وفحص لغير المؤمنين بإلهية مصدره ـ بل عده كثيرون كأي دراسات أدبية تخضع للنقد، دون وقوف عند قدسية النص [1]ـ وجب على المفسرين التفكير بروية فيما ينقلونه عن السادة العلماء السابقين من تفسيرٍ لآيات القرآن الكريم، خشية تحميل القرآن الكريم أخطاءَ بشر يصيبون ويخطئون.
ومثال ذلك تفسير السادة المفسرين لمعنى الاستفزاز في قوله تعالى في سورة الإسراء: " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) ".
حيث ذكر المفسرون أن المقصود بالاستفزاز: الإخراج.
فأصبح تفسير الآية الكريمة: فأراد (فرعون) أن يخرجهم (بني إسرائيل) من الأرض (أرض مصر).
وهذا يخالف إجماع كتب التاريخ والقصص القرآني أن فرعون رفض إخراج بني إسرائيل من مصر، وأن الخروج من مصر كانت غاية أمنيات بني إسرائيل المستعبدين في الأرض. [2]
بل إن القرآن الكريم يقرر أن سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ جعل إخراج بني إسرائيل من مصر من أولويات دعوته.
قال تعالى في سورة الأعراف: " وَقَالَ مُوسَى يَافِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) ".
فلا يُعقَل أن يُلام فرعون على تنفيذه طلب سيدنا موسى، وما طلب سيدنا موسى ذلك إلا بوحي من الله تعالى.
لهذا جاءت هذه الدراسة لتزيل شبهة أن يكون ذلك التفسير سبباً في نقد القرآن الكريم، واتهامه بالوقوع في أخطاء تاريخية، متفق على صحتها.
وذلك بيان المعنى الأصح للاستفزاز في الآية الكريمة، انتصاراً للقرآن الكريم، ورداً لما قد يثار حوله من شبهات، بالدليل العلمي المنهجي.
وسيتم ذلك بتتبع وعرض الآيات الكريمة التي ذكرت الكلمات التي اشتقت من الجذر (فزز). ثم استخدام المنهج الإستقرائي؛ لاستقراء ما ورد في كتب المفسرين حول معنى الاستفزاز في الآيات الكريمة. ثم استنباط المعنى الصحيح للاسفزاز. وذلك بما لا يخالف اللغة وسياق الآيات الكريمة، وما قرره الإسلام من عقائد وأحكام.
تمهيد
لعرض صورة واضحة عن الشبهة محل الرد في هذه الدراسة، يجب بيان ما يلي:
أ) ما اشتق من الجذر " فزز " في القرآن الكريم:
تكررت الكلمات المشتقة عن الجذر (فزز) ثلاث مرات في القرآن الكريم، وجميعها في سورة الإسراء:
الآية الأولى: " وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) ".
الآية الثانية: " وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) ".
الآية الثالثة ـ محل هذه الدراسة ـ: " فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) ".
¥