من تأويل: {وَمِن ثَمَرَاتِ ?لنَّخِيلِ وَ?لأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً}
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[10 Feb 2006, 05:40 م]ـ
قرأت الكلام الآتي بعد في أحد الملتقيات، فأحببت طرحه هنا و عرضه للمدارسة و المراجعة، تمحيصا للقول و إثراء للبحث، قال كاتبه أو نقل ما يلي:
[[ .... فالنسخ بمعناه الاصطلاحي مأخوذ من المعنى الثاني الذي ذكره لنا أئمة اللغة كما تقدم، يقول الامام ابن قدامة المقدسي رحمه الله:
"فأما النسخ في الشرع فهو بمعنى الرفع والإزالة لا غير"
ثم يعرفه لنا فيقول:
"وحده رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخ عنه، ومعنى الرفع إزالة الشيء على وجه لولاه لبقي ثابتا" (روضة الناظر)
ودعني أوضح لك هذا التعريف:
• قوله "الحكم الثابت": اي ثبت من قبل بخطاب شرعي من كلام الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا يدخل فيه ما كان على أصله (البراءة الأصلية) ونزل فيه من بعد حكم شرعي، مثلا تحريم الربا لا يسمى نسخا لان حلها لم يثبت بخطاب شرعي قبلها وانما جاء الاسلام و الناس يأكلون الربا. أما تحريم الخمر فيسمى نسخا لانه قد ثبت اباحتها بنص كلام الله ثم حرم بعد ذلك.]]. انتهى قوله
* * *
- و قد سألت أحد الإخوة عن القول المذكور أعلاه: ((أما تحريم الخمر فيسمى نسخا لانه قد ثبت اباحتها بنص كلام الله ثم حرم بعد ذلك)) - فأجاب بما مفاده صحة هذا القول، مستشهدا بقول الله تعالى: {تتخذون منه سكرا و رزقا حسنا} أن السكر هنا: الخمر، و أن الله لا يمتن على عباده إلا بمباح.
- و هذا الجزء الأخير صحيح، و لكن القول إن الخمر قد ثبت إباحتها بنص كلام الله غير صحيح، و لا دلالة من الآية على ذلك،
و هناك فرق بين المباح بالنص عليه و بين المباح بالعفو عنه قبل نزول التحريم، على ما هو مقرر في علم الأصول.
فالخمر لم تثبت إباحتها بالنص أبدا، و لكن جاء الإسلام و وجد القوم يشربونها، فتدرج في التحريم. شأنها في ذلك شأن الربا،
و أما المغايرة بينهما في ذلك، فلا يبين لها وجه معتبرا، والقول في الخمر من هذه الناحية عين ما قيل في الربا: (تحريم الربا لا يسمى نسخا لان حلها لم يثبت بخطاب شرعي قبلها وانما جاء الاسلام و الناس يأكلون الربا)
- هذا و قد قال بعض المفسرين إن الآية منسوخة، و قال البعض الآخر إنها محكمة، و الثانى أولى، لأن الخمر وردت الأحاديث بالإخبار أنها: أم الكبائر، و أم الفواحش، و أم الخبائث،
و الأخبار الشرعية لا يدخلها النسخ، إذ هي إخبار عن حقيقة شرعية، فلا يدخلها النسخ، و لا ليست إخبارا عن حكم شرعي،
هذا من ناحية
و من ناحية أخرى: لا يصار إلى القول بالنسخ إلا إذا توارد الحكمين الشرعيين المتعارضين على محل واحد و موضوع واحد، أما إذا أمكن التوفيق بينهما و لو بتأويل يحتمله أحدهما فلا يقال بالنسخ، فإعمال النصين أولى من إهمال أحدهما، وفق القاعدة الأصولية المعروفة،
قال الإمام القرطبي في تفسيره:
""
الثانية ـ قوله تعالى: {سَكَراً} السَّكَر ما يُسْكِر؛ هذا هو المشهور في اللغة. قال ابن عباس: نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر. وأراد بالسَّكَر الخمر، وبالرزق الحسن جميعَ ما يؤكل ويشرب حلالاً من هاتين الشجرتين. وقال بهذا القول ابن جُبير والنَّخعِيّ والشَّعبِيّ وأبو ثور. وقد قيل: إن السَّكَر الخَلُّ بلغة الحبشة، والرزق الحسن الطعام. وقيل: السكر العصير الحلو الحلال، وسُمِّيَ سَكَراً لأنه قد يصير مسكراً إذا بقي، فإذا بلغ الإسكار حرم. قال ابن العربي: «أسَدّ هذه الأقوال قولُ ابن عباس، ويخرج ذلك على أحد معنيين، إما أن يكون ذلك قبل تحريم الخمر، وإما أن يكون المعنى: أنعم الله عليكم بثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه ما حرّم الله عليكم اعتداء منكم، وما أحل لكم اتفاقاً أو قصداً إلى منفعة أنفسكم. والصحيح أن ذلك كان قبل تحريم الخمر فتكون منسوخة؛ فإن هذه الآية مكية باتفاق من العلماء، وتحريم الخمر مدني».
¥