[ثقافة الحوار في القرآن]
ـ[مولاي عمر]ــــــــ[18 Jan 2006, 12:30 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
[ثقافة الحوار في القرآن]
الدكتور مولاي عمر بن حماد
كلية الآداب المحمدية
[email protected]
1- بين يدي الوضوع
يأتي هذه الموضوع في إطار ما يمكن تسميته إعادة استدعاء القرآن الكريم. ذلك لأن القرآن الذي صنع هذه الأمة حتى تسمت به وعرفت بين الناس بأنها أمة القرآن، قد تقلصت مساحات حضوره في حياتها بشكل كبير. و لمعترض أن يقول كيف وهو يتلى آناء الليل و أطراف النهار، فأقول إن هذا الأمر لا يغير من الحقيقة شيئا، فالقضية ليست طلبا لمزيد من التلاوة بل هي دعوة لما فوق ذلك، وأعني به التدبر والفهم والعمل. فمن الملاحظات الجلية أن الاستنباط من القرآن الكريم لم يعد بالشكل الذي كان عليه من قبل! فإذا كانت الأمة في عصورها السالفة جعلت القرآن منطلقها وغايتها ومحور اهتمامها، منه تنطلق وإليه تعود، به تقيس، وعلى ضوئه تحاكم وتزن ما تتعرف عليه من ثقافات الشعوب والحضارات، فإن وضعنا الحالي تغير كثيرا!! وهذا الوضع يحتاج منا إلى مراجعة شاملة في إطار السؤال الكبير:"كيف نتعامل مع القرآن الكريم؟ "
ولئن كان الإشكال بهذه السعة والشمول، فإن إدعاء استيعابه في ورقة مهما كان شأنها هو ضرب من الخيال، إلا أن ذلك لا يمنع من المساهمة في إثارته، التي نرجو ألا تخلو من فائدة.وهكذا و انطلاقا من قاعدة "ما لا يدرك كله لا يترك جله" اخترت مجال الحوار في القرآن الكريم عسى أن نساهم فيه ضمن دعوة عامة إلى مزيد من التواصل لعله يخفف من حدة ما نسمع ونرى من صراع الأفراد والشعوب والحضارات وما يتبعه ...
أما العنوان الذي اخترته لهذه المداخلة فهو "ثقافة الحوار في القرآن" فلقد تعمدت ذلك لأبرهن أن الحوار لم يكن هامشا ضيقا أو ثانويا في النص القرآني بل شكل معلما بارزا فيه. إن القرآن جاء بالحوار، ودعا إليه، وحدد ضوابطه، وحذر من منزلقاته ... فإذا جمعنا كل ذلك تجمع لدينا ما يمكن تسميته ثقافة الحوار في القرآن الكريم.
2 - حجم الآيات في موضوع الحوار:
لم ترد كلمة حوار في القرآن الكريم إلا في آيات ثلاث، جاءت اثنتان منها في سورة الكهف في معرض الحديث عن قصة صاحب الجنتين وحواره مع صاحبه الذي لا يملك مالا كثيرا فقال تعالى عنهما في الموضع الأول:" وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا" الكهف 34 وقال تعالى عنهما في نفس السورة: "قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا" الكهف 37
أما الآية الثالثة التي وردت فيها هذه كلمة حوار فهي من سورة المجادلة في قوله تعالى:" قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير" المجادلة 1
إلا أن الحوار باعتباره وسيلة تواصلية أوسع من حصره في هذه الكلمة، فقد جاء التعبير عنه بمفردات أخرى قريبة منه من أهمها الجدل التي وردت في تسعة وعشرين موضعا منها:
1. "ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما" النساء 106
2. "ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا" النساء 108
3. "ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين" الأنعام 25
4. "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون" الأنعام 121
5. "قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين" الأعراف 71
¥