[وقفات مع سورة الحديد3]
ـ[ماجد العريفي]ــــــــ[02 Jan 2006, 06:11 م]ـ
وبعد أن ذكر الله عز وجل أن السموات والأرض وما فيهما تسبح بحمده منقادة لعزته قد بدت فيها آثار حكمته، فهي ملكه يتصرف بها كيفما شاء بقدرته سبحانه وتعالى.
قال ((هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم))
أي: أن تلك السماوات و الأرض التي تسبح له و تقدسه، وما فيها، هي ملك له،
يتصرف بها كيفما شاء، بقدرته سبحانه، قد أحاط بها و علما بما فيها، فهو الأول و الأخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم.
قال عليه الصلاة و السلام ((اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، و أنت الآخر فليس بعدك شيء، و أنت الظاهر فليس فوقك شيء، و أنت الباطن فليس دونك شيء)) رواة مسلم في صحيحه.
ففسر كل اسم بمعناه و نفى عنه ما يضاده و ينافيه.
قال بعض أهل العلم في تفسير هذه الآية:
? ? الأول ? الذي ليس قبله شيء، لأنه لو كان قبله شيء لكان الله مخلوقا_ تعالى الله عن ذلك _، و هو عز وجل الخالق، و لهذا فسر النبي ? ? الأول ? الذي ليس قبله شيء، فكل الموجودات بعد الله سبحانه، فليس معه أحد ولا قبله.
? الأخر ? الذي ليس بعده شيء، لأنه لو كان بعده شيء لكان ما يأتي بعده غير مخلوق لله، و المخلوقات كلها مخلوقة لله عز و جل، فهو الأول لا ابتداء له، و الآخر لا انتهاء له، ليس بعده شيء.
? الظاهر ? قال النبي ?: في تفسيرها ? الذي ليس فوقه شيء ? فكل المخلوقات تحته جلا و علا، فليس فوقه شيء،
? و الباطن ? قال النبي ?: ? الذي ليس دونه شيء ? أي: لا يحول دونه شيء، خبير عليم بكل شي، لا يحول دونه جبال، ولا أشجار، ولا جدران ولا غير ذلك، ليس دونه شيء،
فـ ? الأول و الأخر ? اشتملا على عموم الزمان،
? و الظاهر والباطن ? على عموم المكان. ? انتهى كلامه رحمه الله.التفسير سورة الحديد الشيخ ابن عثيمين 362
و لا يتنافى الظاهر و الباطن لأن الله ليس كمثله شيء في كل النعوت.
إذا فالله سبحانه و تعالى ((هو الأول)) الذي ليس قبله شيء.
((و الآخر)) الذي ليس بعده شيء.
((و الظاهر)) الذي ليس فوقه شيء.
((و الباطن)) الذي ليس دونه شيء.
قد أحاط علمه بالظواهر و البواطن و السرائر و الخفايا و الأمور المتقدمة و المتأخرة، و لهذا قال ((و هو بكل شيء عليم)).
جلس شيطان قريش عمير بن وهب كما كان يلقبه أهل مكة ذات يوم مع صفوان بن أمية في الحجريتذاكرون أصحاب القليب و مصابهم.
فقال صفوان: و الله ما في العيش بعدهم خير.
فقال عمير: صدقت و الله.
ثم قال: أما و الله لولا دين علي ليس له عندي قضاء، و عيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي قبلهم علة، ابني وهيب اسير في أيديهم.
فاغتنمها صفوان و قال: علي دينك، أنا أقضيه عنك و عيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا لا يسعني شيء و يعجز عنهم.
فقال له عمير: فاكتم شأني و شأنك، يريد أن تنجح الخطه، فهو سيقتل محمد بن عبدالله.
قال صفوان سافعل، و فعل صفوان، ولكن الأول والآخر و الظاهر و الباطن قد احاطه بهم فكان بكل شيئ عليم.
فأمر عمير بسيفه فشحذ له و سُمّ، ثم انطلق حتى أتى المدينة.
إذ نظر عمر بن الخطاب إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحاً السيف، فقال هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء إلا لشر، ثم دخل به على رسول ?.
فقال رسول الله ((فماجاء بك ياعمير)).
قال جئت لهذا الأسير الذي بين ايديكم _ يعني ولده وهيبا ً _ فأحسنوا به.
فقال عليه الصلاة والسلام: ((فما بال السيف في عنقك .. ؟؟)).
قال عمير: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنَّا شيئاً .. ؟!
فقال الرسول ?: أصدقني يا عمير، مالذي جئت له. _ فقدأخبره العليم _ ما أخفى عمير.
قال: ما جئت إلا ذلك.
فقال عليه الصلاة و السلام: بل قعدت أنت و صفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لولا دين علي، و عيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً، فحتمّل لك صفوان بدينك و عيالك على أن تقتلني له، و الله حائل بينك و بين ذلك ... .
عندئذ قال شيطان قريش: أشهد أن لا إله إلا الله، و أشهد أنك رسول الله ... هذا أمرٌ لم يحضره إلا أنا و صفوان، فوالله ما أنبأك به إلا الله، ... . ((البداية و النهاية ج3/ص313))
فسبحان الله ((هو الأول و ألآخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم))
أخواني نستنتج من تفسير هذه الآية قاعدة في التفسير عظيمة و هي:
إذا عرف التفسير من جهة النبي ? فلا حاجة إلى قول من بعده.
قال شيخ الإسلام رحمه الله ? و مما ينبغي أن يعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن و الحديث إذا عرف تفسيرها و ما أريد بها من جهة النبي ? لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال باقوال أهل اللغة ولا غيرهم ? قواعد التفسير 1/ 149
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار