[أمثلة على معاني أوزان المفردات في الجملة القرآنية]
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[29 Jan 2006, 03:00 م]ـ
بسم الله
والحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
هذه أول مشاركة لي في هذا الملتقى المبارك، أسأل الله أن يمن علي وعليكم بالإخلاص والتوفيق، في كل وقت ومكان.
وهذا الموضوع أذكر فيه أمثلة مما ذكره المفسرون والبلاغيون في معاني إيراد لفظة قرآنية ذات وزن صرفي، دون لفظة أخرى ذات وزن آخر، ولكنها راجعة إلى نفس الأصل، وصالحة - بحسب ما يظهر - لأداء ذلك المعنى، في الجملة.
وهذا أوان البدء بالمقصود، فأقول مستعيناً بالغفور الودود، وطالباً منكم أن تسالوا لأخيكم التوفيق والتسديد:
المثالان الأول والثاني
قوله تعالى (وتبتل إليه تبتيلا) دون (وتبتل إليه تبتلا)
وقوله تعالى (وأنبتها نباتاً حسنا) ً دون (وأنبتها إنباتاً حسناً)
قال ابن القيم رحمه الله في (مدارج السالكين) (2/ 29):
(ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة التبتل، قال الله تعالى (واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا) [المزمل 8] والتبتل: الانقطاع، وهو تفعل من البتل وهو القطع وسميت مريم البتول لانقطاعها عن الأزواج وعن أن يكون لها نظراء من نساء زمانها ففاقت نساء الزمان شرفاً وفضلاً وقطعت منهن ومصدر بتل تبتلا كالتعلم والتفهم ولكن جاء على التفعيل مصدر تفعل لسر لطيف فإن في هذا الفعل إيذانا بالتدريج والتكلف والتعمل والتكثر والمبالغة فأتى بالفعل الدال على أحدهما بالمصدر الدال على الآخر فكأنه قيل: بتل نفسك إلى الله تبتيلا وتبتل إليه تبتلاً؛ ففهم المعنيان من الفعل ومصدره؛ وهذا كثير في القرآن وهو من أحسن الاختصار والإيجاز). انتهى.
قلت: ومن ذلك قوله تعالى (فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً)؛ قال البقاعي في تفسيره: وجاء بالوصف المشعر بالإحسان مضافاً إليها إبلاغاً في المعنى فقال: (ربها) قال الحرالي: وظهر سر الإجابة في قوله سبحانه وتعالى (بقبول حسن) حيث لم يكن (بتقبل) جرياً على الأول.
ولما أنبأ القبول عن معنى ما أوليته باطناً أنبأ الإنبات عما أوليته ظاهراً في جسمانيتها، وفي ذكر الفعل من (أفعل) في قوله (وأنبتها)، والاسم من (فعل) في قوله (نباتاً حسناً) إعلام بكمال الأمرين من إمدادها في النمو الذي هو غيب عن العيون وكمالها في ذاتية النبات الذي هو ظاهر للعين، فكمل في الإنباء والوقوع حسن التأثير وحسن الأثر، فأعرب عن إنباتها ونباتها معنى حسناً؛ انتهى؛ فوقع الجواب لأنها عناية من الله سبحانه وتعالى بها على ما وقع سؤالها فيه، فلقد ضل وافترى من قذفها وبهتها، وكفر وغلا من ادعى في ولدها من الإطراء ما ادعى). انتهى.
"
ـ[روضة]ــــــــ[29 Jan 2006, 10:25 م]ـ
أرحب بالأخ محمد، وأسأل الله أن ينالنا من دعائه نصيب، وأن يوفقه للخير والعمل الصالح.
واسمح لي أخي ان أضيف تفصيلاً يتعلق بقوله تعالى:
(فتقبلها ربها بقَبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً)
في هذه الآية الكريمة مصدران على غير الصدر ـ كما تفضل الأخ ـ، الأول: قبول، والثاني: نباتاً.
أما الأول (قبول)، فالظاهر أن يقال: فتقبلها ربها بتقبّلٍ حسن، ولكن العدول عن الظاهر كان لسبب بياني.
للفعل (فتقبلها)، معنيان:
المعنى الأول: أن يكون معنى (تقبلها) استقبلها.
المعنى الثاني: رضي بها.
قال المفسر النحوي أبو حيان: " {فتقبلها ربها بقبول حسن} قال الزجاج: الأصل فتقبلها بتقبل حسن، ولكن قبول محمول على: قبلها قبولاً، يقال: قبل الشيء قبولاً والقياس فيه الضم: كالدخول والخروج، ولكنه جاء بالفتح، وأجاز الفراء والزجاج ضم القاف، ونقلها ابن الأعرابي فقال: قبلته قَبولاً وقُبولاً. وقال ابن عباس: معناه سلك بها طريق السعداء وقال قوم: تكفل بتربيتها والقيام بشأنها. وقال الحسن: معناه لم يعذيها ساعة قط من ليل ولا نهار وعلى هذه الأقوال يكون تقبل بمعنى استقبل، فيكون تفعل بمعنى استفعل، أي: استقبلها ربها، نحو: تعجلت الشيء فاستعجلته، وتقصيت الشيء واستقصيته، من قولهم: استقبل الأمر أي أخذه بأوله".
ثم ذكر المعنى الثاني لقوله تعالى: (فتقبلها): "وقيل: المعنى فقبلها أي: رضى بها في النذر مكان الذَّكر في النذر، كما نذرت أمها وسنى لها الأمل في ذلك، وقَبِل دعاءها في قولها: فتقبل مني إنك أنت السميع العليم، ولم تقبل أنثى قبل مريم في ذلك، ويكون: تفعّل، بمعنى الفعل المجرد نحو: تعجّب وعَجِب، وتبرّأ وبرِيء".
وعلى كلا المعنيين جاء المصدر على غير الصدر.
ويجوز أن يكون على تقدير حذف مضاف، أي: بذي قبول حسن، أي: بأمر ذي قبول حسن، وهو اختصاصه تعالى لها بإقامتها مقام الذكر في النذر. [انظر بقية كلام أبي حيان، في البحر المحيط]
ما السر البياني وراء مجيئ المصدر على غير القياس؟
"وعدل عن الظاهر للإيذان بمقارنة التقبل لكمال الرضا وموافقته للعناية الذاتية؛ فإن صيغة التفعل مشعرة بحسب أصل الوضع بالتكلف، وكون الفعل على خلاف طبع الفاعل، وإن كان المراد بها في حقه تعالى ما يترتب عليه من كمال قوة الفعل وكثرته". [روح المعاني]
¥