الوجه الثاني: أنّ بينَ شعرِ الرأسِ وغيرهِ فرقاً كثيراً: فإنّ حلقَ شعرِ الرأسِ يتعلقُ بهِ التحلُّل مِن النسكِ؛ فهو عنوانُ التحلُّل؛ بخلافِ غيرهِ مِن الشُّعُور.
وأمّا التعليلُ بأنّه للتّرَفُّهِ، ودفعِ الأذى ففيهِ نظرٌ؛ ثم لو سَلَّمْنَا ذلكَ فأينَ دفعُ الأذى في حلقِ شعرِ العانةِ، وشعرِ الساقِ، ونحو ذلكَ؟! وأينَ الدليلُ على مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِن التّرَفُّهِ مع أنّه يجوزُ له التنظّفُ،والاغتسالُ، والتظلُّل مِن الشمسِ، واستعمالُ المكيفاتِ؟!
وهل تُلْحَقُ الأظافرُ بشعرِ الرأسِ؟
الجوابُ: لا تُلْحَقُ؛ فالأظافرُ ليستْ شعراً؛ وليستْ في الرأسِ أيضاً؛ فهي أبْعَدُ مِن إلحاقِ شعرِ بقيّةِ البدنِ بشعرِ الرأسِ؛ ووجهُ البُعْدِ أنّها ليستْ مِن نَوعِ الشعرِ؛ صحيحٌ أنّها تُشْبِهُ الشعرَ مِن حيثُ إنّها جزءٌ مُنفَصِلٌ؛ لكنّها ليستْ مِن نَوعِ الشعرِ؛ ولذلكَ مَن لَمْ يَرَ تحريمَ حلقِ شعرِ بقيّةِ البدنِ فإنّه لا يَرَى تحريمَ قَصِّ الأظافرِ مِن بابِ أَوْلَى؛ ولكن جمهورُ أهلِ العلمِ على أنّ تقليمَ الأظافرِ مُحَرَّمٌ على الْمُحْرِمِ قِيَاسًا على تحريمِ حلقِ شعرِ الرأسِ؛ والعلّةُ: مَا في ذلكَ مِن التّرَفُّهِ، والتَّنَعُّمِ؛ ولكن هذهِ العلّةُ غيرُ مُسَلَّمَةٍ:
أولاً: لأنّ العربَ في زَمنِهم لا يَترفَّهُونَ بحلقِ الرأسِ؛ بل الرفاهيةُ عندهم إنّما هي في إبقاءِ الرأسِ، وتَرْجِيلِهِ، وتَسْرِيحِهِ، ودَهْنِهِ، والعنايةِ بهِ؛ فليست العلّةُ إذاً في حلقِ شعرِ الرأسِ: التّرَفُّهُ.
ثانياً: أنّ العلّةَ لا بُدَّ أنْ تَطَّرِدَ في جميعِ مَعْلُولاتِهَا؛ وإلا كانتْ باطلةً؛ وهذهِ العلّةُ لا تَطَّرِدُ، بدليلِ أنّ الْمُحْرِمَ لو تَرَفَّهَ، فتنظّفَ، وتغسّلَ، وأزالَ الوسَخَ عنهُ، ولَبِسَ إحْرامًا جديدًا غير الذي أَحْرَمَ بهِ لم يَحْرُمْ عليهِ ذلكَ.
وأقربُ شيءٍ للتعليلِ أنّ في حلقِ الرأسِ حالَ الإحرامِ إسقاطًا للنُّسُكِ الذي هو حلْقُهُ عندَ التحلُّلِ؛وهذا لا يساويهِ حلقُ بقيّةِ الشعرِ، أو تقليمُ الأظافرِ؛ ولكن نظراً لأنّ جمهورَ أهلِ العلمِ ألحقوا ذلكَ بشعرِ الرأسِ فالاحتياطُ تَجَنُّبُ ذلكَ مُراعاةً لقولِ الجمهورِ". ()
قُلْتُ: ومَنْشَأُ الخلافِ بينهما: عِلَّةُ تحريمِ حلقِ الرأسِ، فالسعديُّ جعلهُ للتَّرَفُّهِ، وقاسَ بقيّةَ شعرِ البدنِ وتقليمِ الأظافرِ عليه، وابنُ عثيمينَ جعلَ العلّةَ أنّ في الحلقِ إسقاطًا للنُّسُكِ عند التحلُّلِ ولم يُصحِّحِ القياسَ، والله أعلم
ـ[المعتصم بالله]ــــــــ[02 Jan 2006, 11:52 م]ـ
أفادك الله يا شيخ أحمد ..
جاء في كلام الشيخ رحمه الله ما نصه (ولكن نظراً لأنّ جمهورَ أهلِ العلمِ ألحقوا ذلكَ بشعرِ الرأسِ فالإحتياطُ تَجَنُّبُ ذلكَ مُراعاةً لقولِ الجمهور.) ... هل معنى هذا أن الإحتياط هنا من باب الورع بمعنى أنه لو حلق أو قلَّمَ عند الشيخ فلا شيء عليه؟؟.
** مما يترتب على هذا .. هل قول الجمهور يحتج به وإن كان للإحتياط -كما ذكر الشيخ رحمه الله -.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[03 Jan 2006, 01:48 م]ـ
مما يوضح كلامه ما ذكره في الشرح الممتع بقوله:ولو أن الإنسان تجنب الأخذ من شعوره كشاربه وإبطه وعانته إحتياطاً لكان هذا جيداً لكن أن نلزمه ونأثمه إذا أخذ مع عدم وجود الدليل الرافع للإباحة فهذا فيه نظر.أهـ.
قلت: وأما الأظافر فقد نقل الإجماع على المنع منه , فإن صح فلا عذر في مخالفته , وقد استدل الشنقيطي بالمنع بقوله تعالى " ثم ليقضوا تفثهم ". فراجعه إن شئت.
ـ[المعتصم بالله]ــــــــ[03 Jan 2006, 11:21 م]ـ
أتنمى من بقية الأخوة المشاركة ... أجزل الله لكم المثوبة.