ومع أني أعتقد جازما بأن كل ما في كتاب الله إنما هو من عند الله بحفظ الله على مراد الله بكل حرف وبكل صورة على ما قدر الله بوحي منه سبحانه
فقد كتب بين يدي المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأشرف على ذلك كله سيدنا جبريل عليه السلام
ومسألة خط المصحف مما اختلف فيه أهل العلم فبعضهم يرى أن في بعضه اجتهاد من الصحابة وفريق يراه كله مرفوعا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي هذا حديث زيد رضي الله عنه أنه كان يكتب بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن كان يعرض عليه فإن كان فيه سقط أقامه، وفي المجمع أن رجاله ثقات.
ثم كان زيد نفسه رضي الله عنه هو الذي تولى الكتابة وكان لا يقبل بإدخال شيء بين الدفتين حتى يشهد عدلان أنه كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيح
وما كان فعل الصحابة رضي الله عنهم بعد ذلك إلا استنساخ ما كتب بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم والأدلة قوية في هذا الرأي. وما قيل عن التابوت والتابوه فهي رواية مرسلة.
وعلى أي حال:
فقد ترجح عندي بعد النظر في أقوال العلماء وأدلتهم أن من فوائد علم الخط كون ثواب قراءة الآيات مترتبة على ما كتب ورسم من الأحرف لا ما نطق
أما النطق فله ثوابه كالإتيان بالمدود على وجهها، والترسل وإتقان الترتيل ونحو ذلك مما له بحثه.
ومرجعهم في هذا القول هو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف
وأنت ترى أن نطقك بها 9 أحرف لكن الثواب كان على ما رسم وهي ثلاثة أحرف، كما أن الكلمة كلها لم تعد حرفا وإن لم يظهر معناها للسامع. فالعبرة بعدد الأحرف المرسومة كما هو ظاهر الحديث ...
وعودا على موضوعنا فأقول
قال أبو عمرو فيما رواه محمد بن عيسى عن نصير في اتفاق المصاحف: "وفي النمل لأعذبنه بغير ألف ولأاذبحنه بالألف"
انظر المقنع ص 93
وقال الإمام الشاطبي في العقيلة بيت رقم 76 و 77
"وأجمعوا زمرا لا أذبحن"
وشرحها في الوسيلة الإمام السخاوي كذلك
وفي الطراز شرح ضبط الخراز باب ضبط المزيد في الهجاء
ذكر أربع فوائد أهمها
كونها صورة لحركة الهمزة
ص 339
وهو ما رجحه أيضا الداني في المحكم ص 176
وقال الرجراجي هو المختار بناء على تقديم أبي عمرو إياه ويدل بذلك أن الفتحة مأخوذة من تلك الصور
حلة الأعيان ص 250
================
الخلاصة:
اتفقت المصاحف على كتابة الكلمتين على الوجه المذكور
وهناك فرق جوهري في النطق بين كلمة لأعذبنه و لأاذبحنه
وهو أن الأولى همزتها مضمومة والثانية مفتوحة
فلرفع اللبس من ضم الكلمة الثانية لتصير على وزن الأولى فتُقرأ
لأُعذبنه عذابا شديدا أو لأُذَّبِحنه /خطأ/
صارت بجلاء
لأُعذبنه عذابا شديدا أو لأَاذْبَحنه /صواب/
وتأمل الفرق بين ضبط الكلمتين لو كتبت الآية بدون ضبط أو تنقيط كما كانت في الصدر الأول فالألف وضعت لبيان فتحة الهمزة في لأاذبحنه لا ضمها كسابقتها في لأعذبنه
وصلى الله على سيدنا وإمامنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
========
لمزيد تفصيل أنظر الصفحات المشار إليها والهوامش في
1 - مختصر التبيين لهجاء التنزيل للإمام أبي داود سليمان بن نجاح ص 944 ج 4
2 - الطراز شرح ضبط الخراز للتنسي ص 338
طبعتي وزارة الأوقاف ومجمع الملك فهد بالتعاون مع مركز الملك فيصل
3 - الوسيلة إلى كشف العقيلة لعلم الدين السخاوي ص 156 طبعة الرشد
ـ[ابن رشد]ــــــــ[15 Jan 2006, 01:06 ص]ـ
أكرمك الله يا أخى د. أنمار، و جزاك خير الجزاء على ما أوضحت و شرحت،
فنحن نعلم أن " الرسم العثماني " للمصحف جاء هكذا، و لكنكم فصَلتم مجمله، و أبنتم قواعده،
و لعل في ذلك راحة و كفاية للأخ السائل
ـ[د. أنمار]ــــــــ[15 Jan 2006, 01:24 ص]ـ
بارك الله فيك
وإضافة إلى اتفاق المصاحف على كتابة الكلمتين على الوجه المذكور كذلك اتفق القراء العشرة على طريقة اللفظ بالكلمتين كما نقرؤها
فنخلص إلى أن فائدة الألف الزائدة تدور بين ما يلي:
1 - بيان أن الهمزة في الكلمة الثانية مفتوحة
2 - زيادة في الحسنات وإن لم تلفظ
3 - أسرار أخرى علمها عند الله
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[15 Jan 2006, 11:32 ص]ـ
أخي القرطبي
من أين جئت بأن رسم الصحابة مخالف لرسم المعاصرين لهم من العرب في قولك: (وبذلك يكون رسمهم رضوان الله عليهم مخالفا للرسم الإملائي المعروف عند العرب إذن فهو مليئ بالأخطاء, حاشى لله, وهذا لايقبله عقل متزن .. !)؟
فهل تستطيع أن تثبت المعروف عند العرب، حتى تثبت مخالفة رسم الصحابة له؟!
والذي يحسن أن يُعلم في الرسم أمور منها:
1 ـ أن الرسم في جميع لغات العالم يعترضه النقص والزيادة، وليس ذلك من خصائص رسم المصحف ولا الرسم الإملائي عند العرب.
2 ـ أن الرسم الإملائي عند العرب المسلمين قد تطور عن رسم المصحف، وصار يخالف رسم المصحف في أمور كثيرة، ولكل عصر من العصور طريقته في الرسم، ومن قرأ في المخطوطات ظهر له ذلك جليًّا.
3 ـ أن الحكم بخطأ رسم الصحابة لا يصدر إلى عن غفلة او جهل؛ لأن المخطِّئ يقيس رسمهم بالرسم الذي بين يديه، وفي ذلك من الخطأ ما هو معلوم، إذ فيه حمل لرسم الصحابة على مصطلحات رسمية حدثت بعدهم.
4 ـ أن الاختلاف الوارد في رسم الصحابة إنما كان على سبيل التنوع، فذلك كان موجودًا في عصرهم، هذا الرسم وذاك الرسم، ولك ان تراجع باب المقطوع والموصول، فغنك مهما اجتهدت في استنباط علة المقطوع والموصول، فإنك لن تجد لذلك سبيلاً في تعليل مقنع، وقس على هذا ما ورد في كتابة (لأذبحنه) وكتابة (ولأوضعوا) وغيرها.
وإن قلت: ما الدليل على التنوع؟
فالجواب: رسم الصحابة انفسهم، فهو الوثيقة الوحيدة التي يمكن الاستناد إليها لإثبات هذا الاختلاف، سواءً أكان في المصحف العثماني أو في الرسوم التي ثبتت خارجه، كما ورد في اختلافهم في كيفية رسم (التابوت) هل هي بالتاء المفتوحة أو بالتاء المربوطة؟
وغيرها من الأمثلة التي وردت عن عائشة وعثمان، فكلها تدل على اختلاف التنوع في الرسم عندهم، والله أعلم.
¥