2 - استدلوا بالمعقول، فقالوا: إن اللمس ليس بحدثٍ بذاته، وإنما هو ناقض لأنه يفضي للحدث، فاعتبرت الحالة التي تفضي للحدث وهي حالة الشهوة. [المغني 1/ 260]
3 - استدلوا أيضاً بنفي الحرج، وذلك أن اللمس مطلقاً لو كان ناقضاً للوضوء لشق ذلك، فهو يقع للرجل وزوجته، وكذلك في شدة الزحام كما في الطواف، وفي هذا حرج ومشقة، والله سبحانه نفى الحرج (ما جعل عليكم في الدين من حرج).
ثالثاً/ مناقشة الأقوال
* مناقشة الحنفية للجمهور:
1 - قولهم في الآية (أو لامستم النساء) أن اللمس باليد، فهو مردود. لأن معناه: الجماع كما قاله حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما، وتفسير ابن عباس أرجح من غيره لمزية دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بعلم التأويل [انظر نيل الأوطار 1/ 246]، ويعضد تفسيره قوله تعالى (من قبل أن تمسوهن) أي قبل الجماع.
2 - أما الاستدلال بحديث معاذ رضي الله عنه فلا يصح لضعف الحديث، ثم إنه يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر السائل بالوضوء لأجل المعصية، وقد ورد أن الوضوء من مكفرات الذنوب، و يحتمل أن الحال التي وصفها: مظنة خروج المذي، أو يحتمل أنه طلبٌ لشرط الصلاة المذكورة في الآية من غير نظر لانتقاض الوضوء وعدمه [انظر نيل الأوطار 1/ 246].
3 - أما قولهم بأن القبلة فيها الوضوء فلا حجة في قول الصحابي إذا وقع معارضاً لما ورد عن الشارع [انظر نيل الأوطار 1/ 247] ..
4 - أما استدلالهم بأحاديث عائشة رضي الله عنها فيجاب عنها بأنها أدلة لنا لأنها تدل على أن اللمس لا ينقض، وكذا القبلة .. كما أن حديث عائشة في القبلة ذكر أن فيه ضعفاً وأنه مرسل. لكن يرد بأن الضعف منجبر بكثرة رواته وشواهده [انظر نيل الأوطار 1/ 246].
* مناقشة الشافعية للجمهور:
1 - استدلالهم بحديث عائشة في القبلة معلول ... وقد سبق. ولو صح لحمل على القبلة فوق حائل جمعاً بين الأدلة [المجموع 1/ 37] ..
2 - أما استدلالهم بتفسير ابن عباس رضي الله عنهما (أو لامستم النساء) أنه الجماع فيجاب عنه بأن ابن مسعود رضي الله عنه قرأها (أو لمستم). وهي قراءة حمزة والكسائي [تفسير القرطبي 5/ 145]. واللمس يكون باليد، ثم إن الآية مطلقة لم تفرق بين الشهوة وغير الشهوة.
3 - وقولهم: أن الوجوب من الشرع ولم يرد بالنقض شرع ولا ما هو في معناه فمردود بالآية على تفسيرنا. ويرد بترجيح تفسير ابن عباس كما سبق.
4 - أحاديث عائشة رضي الله عنها في وقوع يدها على قدم النبي صلى الله عليه وسلم ولمسه إياها وهو يصلي، يحتمل كونه فوق حائل. وهذا هو الظاهر في من هو نائم في فراشه [المجموع 1/ 37]. وردّ بأن في هذه التأويلات تكلف لا يحتاج إليه [انظر نيل الأوطار 1/ 246].
5 - ثم إن أكثر الحنفية سلّم أن الرجل والمرأة إذا تجردا وتعانقا وانتشر له وجب الوضوء [شرح فتح القدير 1/ 56]؛ فيقال لهم: بم نقضتم الوضوء في الملامسة الفاحشة؟ فإن قالوا: بالقياس، لم يقبل. وإن قالوا: لقربه من الحدث، قلنا: القرب من الحدث ليس حدثاً بالاتفاق. . ولا يرد علينا بالنائم، فإنه إنما انتقض بالسنّة، لكونه لا يشعر بالخارج، فلم يبق لهم ما يوجب الوضوء في الملامسة الفاحشة إلا ظاهر الآية (أو لامستم) وليس فيه فرق بين الملامسة الفاحشة وغيرها [المجموع 1/ 36].
رابعاً / الترجيح
من عرض الأقوال والأدلة السابقة ومناقشتها يترجح قول الحنفية، لقوة أدلتهم وسلامتها، كما أن عمدة قول الشافعية هو تفسير (أو لامستم النساء) بحقيقة اللمس مردود بتفسير ابن عباس رضي الله عنهما بأنه الجماع.
وممن رجحه من المحققين شيخ الإسلام ابن تيمية [الفتاوى 21/ 242]. ومن المعاصرين سماحة الشيخ ابن باز [مجموع الفتاوى 10/ 135] والشيخ ابن عثيمين [الشرح الممتع 1/ 240] رحم الله الجميع.
وأستغفر الله عن أي خطأٍ يتعلق بالمضمون أو الأسلوب.
والله أعلم.
ـ[أبو عبد الله محمد مصطفى]ــــــــ[12 Feb 2006, 08:12 ص]ـ
جزاك الله خيراً ونفع بعلمك
ـ[أبو عبد العزيز]ــــــــ[17 Feb 2006, 09:37 م]ـ
والعجيب أن سورة المائدة على طولها ليس فيها منسوخ [إعلام الموقعين 2/ 172].