وقد نظمت هذه الآية بإيجاز بديع إذ ابتدئت بحرف " لو " فعلم أن مضمونها أمر مفروض وأن ل (لو) استعمالات كما حققه في مغنى اللبيب عن عبارة سيبويه. وقد تقدم عند قوله تعالى (ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) في سورة الأنفال
و (من شجرة) بيان ل (ما) الموصولة وهو في معنى التمييز فحقه الإفراد ولذلك لم يقل: من أشجار, والأقلام: جمع قلم وهو العود المشقوق ليرفع به المداد ويكتب به أي لو تصير كل شجرة أقلاما بمقدار ما فيها من أغصان صالحة لذلك. والأقلام هو الجمع الشائع لقلم فيرد للكثرة والقلة
و (يمده) بفتح الياء التحتية وضم الميم أي يزيده مدادا. والمداد بكسر الميم الحبر الذي يكتب به. يقال: مد الدواة يمدها. فكان قوله (يمده) متضمنا فرض أن يكون البحر مدادا ثم يزاد فيه إذا نشف مداده سبعة أبحر ولو قيل: يمده بضم الميم من أمد لفات هذا الإيجاز
والسبعة: تستعمل في الكناية عن كثرة كثيرا كقول النبي صلى الله عليه وسلم " والكافر يأكل في سبعة أمعاء " فليس لهذا العدد مفهوم أي والبحر يمده أبحر كثيرة
ومعنى (ما نفدت كلمات الله) ما انتهت أي فكيف تحسب اليهود ما في التوراة هو منتهى كلمات الله أو كيف يحسب المشركون أن ما نزل من القرآن أوشك أن يكون انتهاء القرآن فيكون المثل على هذا الوجه الآخر واردا مورد المبالغة في كثرة ما سينزل من القرآن إغاظة للمشركين فتكون (كلمات الله) هي القرآن لأن المشركين لا يعرفون كلمات الله التي لا يحاط بها
وجملة (إن الله عزيز حكيم) تذييل فهو لعزته لا يغلبه الذين يزعمون عدم الحاجة إلى القرآن ينتزرون انفحام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لحكمته لا تنحصر كلماته لأن الحكمة الحق لا نهاية لها. أهـ
ولهذا الذى ذكره العلماء ولما فتح الله به يتضح لنا أن كل لفظة تؤدي معناها من غير ما تكرار عار عن الفائدة , ويتأكد لكل ناظر فى كتاب الله أنه كتاب معجز فى لفظه ومعناه وأنه تنزيل من حكيم حميد غير أن ما فيه من الأسرار تحتاج إلى تحقيق قوله تعالى " واتقوا الله ويعلمكم الله ... , "نسأل الله ذلك وصلى الله على النبي الأمين محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
ـ[علال بوربيق]ــــــــ[09 Oct 2006, 03:01 م]ـ
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
وتوضيح المسألة أن حرف " لو " وضع للملازمة بين أمرين يدل على أن الحرف الأول منهما ملزوم، والثاني لازم، وهي ترد في القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية المطهرة وفي كلام العرب على أربعة أحوال:
الأول: أن يلازم بين نفيين. ومثاله قوله تعالى: " قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق." الثاني: أن يلازم بين ثبوتين. ومنه قول عمر رضي الله عنه:"] نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه."
الثالث: أن يلازم بين ملزوم مثبت ولازم منفي، ومثاله قول الله تعالى:" ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله "
الرابع: أن يلازم بين ملزوم منفي ولازم ثابت. ومثاله قوله صلى الله عليه وسلم:"لولم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم."
فالآية إذا من القسم الثالث، وقد تكفل ابن القيم يرحمه الله بدفع الاشكال الواقع في الآية بقوله: " فافهم نظير هذا المعنى في الآية، وهو عدم نفاد كلمات الله تعالى على تقدير أن الأشجار أقلام والبحار مداد يكتب بها. فإذا لم تنفد على هذا التقدير كان عدم نفادها لازماً له. فكيف بما دونه من التقديرات؟ "
ثم قال يرحمه الله: " فافهم هذه النكتة التي لا يسمح بمثلها كل وقت ولا تكاد تجدها في الكتب، وإنما هي من فتح الله وافضاله فله الحمد والمنة، ونسأله المزيد من فضله، فانظر كيف اتفقت القاعدة العقلية مع القاعدة النحوية. وجاءت النصوص بمقتضاهما معاً من غير خروج عن موجب عقل ولا لغة ولا تحريف لنص. "
ــــــــــــــ
(1) هذا من الأحاديث التي وضعها النحاة لبيان قاعدة "لو " قال العراقي وغيره:" لا أصل له ولا يوجد بهذا اللفظ في شيء من كتب الحديث."
(2) رواه مسلم