قوله تعالى مثله أو بمثل، فما هو المثل يا ترى؟
ولكي نعرف المِثْلَ المطلوب ونأتي به يجب أن نعرف القرآن أولاً ما هو، ثم نأتي بمثله.
والقرآن يتحدث عن نفسه بنفسه:
قال تعالى:
{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)} يوسف.
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)} النحل.
{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)} طه.
{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} الشعراء.
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)} الزمر.
{حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)} فصلت.
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (7) (الشورى.
{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)} الزخرف.
إذن القرآن كما بينت الآيات أعلاه، هو نصٌ عربي، وهو كتاب هداية، وهو منزلٌ من عند الله، والمطلوب من العرب والناس أجمعين أن يأتوا بمثله، أي بنص ٍ عربي على غراره، أو أعلى منه، وهذا لم يكن ولن يكون، والبحث هنا لا يدور عن البحث في كنهه واستنباط ما فيه من أسرار وعجائب إذ هذا الأمر لا علاقة له هنا، وهنا ليس محل بحثها، فالبحث في هذه الآيات منصبٌ على كونه عربياً ليس غير. ومن ثم ليست آيات التحدي السابقة هذا موضوعها بل الموضوع أن يأتوا بمثله وقد بان لنا (مثله)، وهو نصٌ عربيٌ مبين، صفته الإبانة وليس فيه شيء من العُجمة.
لذا فإن القول بأن القرآن معجزٌ بتشريعه،أو بإخباره عن السابقين، أو بالأمور المستقبلية، أو بمظاهر الأعداد وغيرها، كل هذه لا تظهر في آيات التحدي، ولا تظهر في آيات التي تُبين صفة القرآن من حيث كونه عربياً، ولا يُفهم منها دلالة ولا استنباطاً ولا إشارةً أن التحدي كان بأوجه الإعجازـ تجاوزاً ــ الأخرى. ولا أدري كيف فهم الفاهمون أو المقلدون أن الإعجاز كان مطلوباً بهذه الأوجه الأخرى.
وأما ما يظهر على أن القرآن فيه أوجه إعجاز ٍ أُخرَ، فله تفصيلٌ مهم، وهو أن هذه الأوجه، ومنها الحقائق، نعم الحقائق، تدل على:
1) أن الذي يقول هذا الكلام ليس محمداً. وليس من البشر.
2) أن هذه الحقائق يجب أن تكون حقائق وذلك أن قائل هذا الكلام هو الله، ويستحيل على الله الخطأ والنقص والعجز. فتحصيل حاصل أن تكون في القرآن كل هذه الحقائق والأمور الغيبية، والتشريعية، وغيرها مما يصعب حصرها.
3) أن من أتوا بمثل هذه الأمور لم يُفرقوا بين أن القرآن من عند الله، وبناءً عليه ففيه ما فيه من الحق، ومن الأمور المختلفة. وبين أن الإعجاز هو الإتيان بمثل هذا القرآن، ولو كان يخلو من مثل هذه الأمور الأخرى.
وبعبارةٍ أخرى، أن الله عزّ وجلّ طلب في التحدي أن يأتوا بمثل هذا القرآن سواءً اشتمل على هذه الأمور أم لم يشتمل، والإتيان يكون بنص عربي ٍ مبين على غرار القرآن أو يفوقه، لأن هذا مما يستطيعه الإنسان، وهو عين العدل من الله تعالى، وليس من العدل ان يطلب الله منهم أن يأتوا بما لا يستطيعون من حقائق علمية أو غيبية أو تشريعية، أو غيرها مما لا يستطيع البشر.
أما لماذا لم يستطيع العرب أو غيرهم أو من جاءوا بعدهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن؟
¥