تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مِنّا الذي اخْتِيْرَ الرِّجالَ سَماحةً ** وَجُوْداً إذا هَبَّ الرياحُ الزَّعازِعُ (6)

أي مِن الرجال.

وقول الآخر:

أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْبَاً لَسْتُ مُحْصِيَهُ ** ربَّ العِبادِ إليه الوَجْهُ والعَمَلُ (7)

أي مِنْ ذنبٍ.

قال ابن أبي الربيع في شرح الجمل: "واستدل أبو القاسم، على أن العرب تقول: اخترت الرجالَ زيداً بقوله تعالى: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً} فقال: تأويله: من قومه، وهذا الذي ذكر هو البيّن في الآية .. ورأيت بعض المتأخرين يقول: يمكن أن يكون {سبعين رجلاً} بدلاً من (قومه)، وجعلهم قومه وإن كان قومه أكثر من ذلك، لأنهم عمدة قومه. والبيّن في الآية ما أخذها عليه أبو القاسم، وهو الصواب " (8)

وأجاز بعضهم أن يكون (سبعين) بدلاً من (قومه) (9)، بدل بعض من كل، وجعله ابن أبي الربيع بدل كل من كل، فذكر جواب من قال بذلك إن قيل له: كيف يكون السبعون رجلاً هم قومه، مع أن القوم أكثر من ذلك؟ قال: " وجعلهم قومه، وإن كان قومه أكثر من ذلك، لأنهم عمدة قومه " (10).

والذين ذكروا هذا الرأي إنما ذكروه معتبرين البدل بعضاً من كل، وهو الأولى فيما ذهبوا إليه، لأن قوم موسى - عليه السلام - أكثر من سبعين.

وقد ضُعِّف هذا القول لأمرين:

الأول: أن الاختيار لابد فيه من مُخْتار ومختار منه، وإذا أُعرب بدلاً يكون المختارُ منه محذوفاً، وما هو واحد في نفسه لا يصح اختياره.

الثاني: أنه لابد من رابط بين البدل والمبدل منه، وقد قدروه بـ (منهم) (11).

ففي هذا الإعراب تكلُّفُ حذفٍ في رابط البدل، وفي المختار منه. ويظهر لي أن ما ذهب إليه ابن أبي الربيع متابعاً فيه أكثر النحويين هو الأقرب، لأن حذف حرف الجر ووصول أثر الفعل إلى الاسم جائز في لغة العرب، ولأن الإعراب على أنه بدل يفضي إلى تكلف تقدير محذوف، ولا شك أن إجراء الكلام على ظاهره، وعلى مقتضى لغة العرب أولى من التقدير والتأويل.

وشيء آخر وهو أن قولنا: اخترت الرجال زيداً يجوز فيه تقديم المفعول الأول، فيكون: اخترت زيداً الرجالَ، وفي تقديم المفعول على المجرور بمِنْ دلالة على أنه مفعول ثانٍ، وليس ببدل، إذ البدل لا يسوغ تقديمه (12). والله أعلم.


(1) قال أبو حيان عن هذه الأفعال: " هي مقصورة على السماع، وهي: اختار، واستغفر، وأمر، وكنى، ودعا، وزوج، وصدق " البحر المحيط 4/ 398. وينظر: الكتاب 1/ 38، وشرحه للسيرافي 1/ 144أ وللصفّار 2/ 675، والأصول 1/ 180، وزاد السمين على هذه الأفعال: حدّث، أنبأ، وأخبر، وخبّر إذا لم تضمّن معنى (أعلم)، الدر المصون 5/ 474، وينظر: شرح شذور الذهب 369 - 376.
(2) ينظر ك مجاز القرآن 1/ 229، ومعاني القرآن للأخفش 1/ 339، والمقتضب 4/ 330، ومعاني القرآن للزجاج 2/ 380، والأصول 1/ 178، والمسائل العضديات 99.
(3) ينظر: شرح عيون كتاب سيبويه 42.
(4) ينظر: المقتضب 4/ 330، والكامل 1/ 47.
(5) ينظر: شرح المفصل 8/ 50.
(6) من الطويل، وهو مطلع قصيدة، للفرزدق في مدح قبيلته. الديوان 1/ 418. والزعازع: جمع زَعْزَع، وهي الريح التي تهب بشدة، يعني بذلك الشتاء حيث يقل فيه الزاد، فيقول: هو جواد في مثل هذا الوقت. ينظر: الخزانة 9/ 124. ورواية الديوان: (وخيراً) بدل (وجوداً). والبيت دخله الخرم، وهو سقوط أو أول الوتد المجموع، فهو أثلم، ويروى: (ومنّا) فلا خرم فيه. ينظر: العيون الغامزة 120 - 121، والمرشد الوافي 32.
والشاهد فيه قوله: اختير الرجالَ، والأصل: من الرجال، فلما حذف حرف الجر وصل أثر الفعل فنصب الاسم.
ينظر: الكتاب 1/ 39، ومعاني الأخفش 1/ 339، والمقتضب 4/ 330، والأصول 1/ 180، والإفصاح للفارقي 287، وشرح نهج البلاغة 1/ 15، وخزانة الأدب 9/ 123 - 125.
(7) من البسيط، وهو من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف قائلها. وقوله: (ذنباً) اسم جنس بدل قوله: لست محصيه. و: إليه الوجه والعمل أي: التوجه في الدعاء والمسألة والعبادة والعملُ له.
والشاهد فيه قوله: أستغفر الله ذنباً حيث حذف حرف الجر (من) والأصل: أستغفر الله من ذنب.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير