ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[12 - 03 - 2006, 10:55 م]ـ
الأخ العزيز موسى ..
أدام الله توفيقك في كل قول وعمل، وفي كل رأي ونظر ..
لقد أحسنت في تصويرك للمشهد .. وأجدت فأبدعت ..
ولنكمل حديثنا عن الأسرار البلاغية التي يبرزها نزع الخافض في القرآن العظيم، ولنحاول أن نكشف عن مزيد من فوائده الغرر ومراميه اللطاف ..
يقول تعالى: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226 - 227].
وللعلماء في نصب "الطلاق " وجهان: أحدهما: أنه منصوب بنزع الخافض أو بإسقاط حرف الجر كما قالوا، لأن عزم يتعدّى بـ (على)!
فلماذا اختار التعبير القرآني إسقاط حرف الجر (على) في الآية الكريمة؟
وماذا لو أنه قال: (وإن عزموا على الطلاق)، ألن يفي هذا بالمعنى المراد؟
ـ[سليم]ــــــــ[15 - 03 - 2006, 01:41 ص]ـ
السلام عليكم
أخي لؤي ,بارك الله فيك وحيّاك ,ان الآيات تحمل في طياتها احكام شرعية تتعلق بافعال كان العرب يقومون فيها في الجاهلية (الرجال منهم) والاسلام, حيث كانوا يقسمون ويحلفون بمهاجرو النساء, وكان من الايمان الحائلة بين البر والتقوى والاصلاح (كما قال ابن عاشور).
واختيار التعبير القرآني باسقاط حرف الجر على لأن المقصود من عزم الطلاق هو التصميم عليه, واستقرار الرأي عليه بعد تأمل وتفكير, وهذا لا يحصل لكل مولل من تلقاء نفسه, وخاصة اذا كان غالب القصد في اليمين المغاضبة والمضارة ,لأن معنى الآية: فإن لم يفيئوا فقد وجب عليهم الطلاق.
والله أعلم
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[16 - 03 - 2006, 04:48 ص]ـ
أحسنت أخي الحبيب سليم ..
بارك الله فيك .. وزادك بصيرة بكتابه المجيد ..
واسمح لي بأن أتوسّع قليلاً في المعنى المراد:
فإن للعلماء في توجيه نصب (عقدة النكاح) آراء عديدة:
أولها: أنه منصوب بنزع الخافض والتقدير: ولا تعزموا على عقدة النكاح، وقد حكى سيبويه أن العرب تقول: ضرب زيد الظهر والبطن أي: على الظهر والبطن. قال الشاعر:
ولقد أبيت على الطوى وأظله ----- حتى أنال به كريم المأكل
وأظل عليه، فحذف (على) ووصل الفعل إلى الضمير فنصبه، إذ أصل هذا الفعل أن يتعدّى بعلى، قال الشاعر:
عزمت على إقامة ذي صباح ----- لأمر ما يسوَّد من يسود.
الثاني: أنه مفعول به على تضمين الفعل (تعزموا) معنى فعل يتعدّى بنفسه حيث ضمن معنى تنووا، أو معنى تصححوا، أو معنى وجبوا، أو معنى تباشروا، أو معنى تقطعوا أي: تبتوا.
الثالث: أنه منصوب على المصدر والمعنى: ولا تعقدوا عقدة النكاح. ومعنى العزم: عقد القلب على إمضاء الأمر. وفي إيثار القرآن التعبير بإيقاع النهي على العزم بقوله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح) بدلاً من التعبير بالنهي الصريح في قولنا: ولا تنكحوا النساء في العدة، مبالغة في النهي عن عقد النكاح في العدّة لأن العزم على الفعل يتقدّمه، فإذا نهى عنه كان عن الفعل أنهى.
وقبل أن نبحث في بيان السر البلاغي من وراء نزع الخافض في هذه الآية الكريمة يجدر بنا أن نوضّح أن القول بالتضمين ما هو إلا محاولة من العلماء لتصحيح وجه التعدية، كما أن الذهاب إليه في هذه الآية الكريمة يؤدّي إلى ضعف بلاغة المعنى لأن سياق الآية الكريمة لا يقتضيه.
وفي هذا الصدد قال الدكتور شاكر أبو اليزيد الصباغ: " ذلك لأن كثيراً من النحاة وبعض المفسرين يطلقون التضمين على أساليب بعضها لا يحتاج فيه إلى تضمين لوفاء الفعل المذكور بأداء المعنى المطلوب، وبعضها لا يتأتى فيه التضمين لعدم إمكان الجمع بين المعنيين، وبعضها يؤدي القول بالتضمين فيها إلى ضعف بلاغة العبارة.
فالفعل (عزم) يتعدّى بـ (على)، تقول: عزمت على السفر مثلاً، ولما جاء متعدياً بنفسه في قوله تعالى (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله)، قالوا بتضمين (تعزموا) معنى "تنووا"، فنصب المفعول بنفسه مثله، ومع أن النية مطلق العزم، والعزم خصوص عقد الضمير على الشيء، إذ يقول الزمخشري: وحقيقة العزم القطع. إلا أنه لا داعي - في نظري - لتضمين تعزموا معنى تنووا لأن صدر الآية يؤذن بالعفو عن النية والركون النفسي (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله).
فالآية رفعت الحرج في التعريض والإضمار القلبي، ونهت عن المواعدة والعزم، فليس من المناسب أن نضمن العزم معنى النية ". انتهى.
فما ذكره هذا الباحث مما ينثلج له الصدر وينشرح له الخاطر، لكن يبقى فيما قاله بأن الفعل (عزم) ورد متعدّياً بنفسه في هذه الآية نظراً لأن هذا الفعل لازم ويتعدّى بـ (على)، والاسم بعده منصوب بنزع الخافض. يقول أبو حيان: وقيل انتصب - أي عقدة - على إسقاط حرف الجر وهو على هذا التقدير: ولا تعزموا على عقدة النكاح .... ، إذ أصل هذا الفعل أن يتعدّى بـ (على) قال الشاعر:
عزمت على إقامة ذي صباح ----- لأمر ما يسوَّد من يسود.
ويقول السمين الحلبي: إنه منصوب على إسقاط حرف الجر وهو (على) فإن (عزم) يتعدّى بها.
ولعلك حين تتأمّل ما عليه التعبير القرآني (ولا تعزموا عقدة النكاح) بنزع الخافض، وقولنا (ولا تعزموا على عقدة النكاح)، تجد فرقاً بين تعدية الفعل بحرف الاستعلاء (على) وبين إسقاط حرف الجر وإيصال الفعل إلى المفعول مباشرة، ذلك أن على بما فيها من معنى الاستعلاء تكون آكد في الدلالة على العزم على النكاح لأن زيادة المبنى تؤدّي حتماً إلى زيادة المعنى كما قرر ذلك علماء البلاغة.
أما ما عليه التعبير القرآني فليس فيه هذا التأكيد الذي نحسّ به مع زيادة حرف الاستعلاء، ونحن إذا نُهينا عن عزم النكاح، فنحن أكثر نهياً بالنسبة للعزم على النكاح، ولهذا كان النهي في الآية الكريمة نهياً عن الصيغة الأقل مبالغة.
والله أعلم