وهي القسم الثاني من أقسام المجاز اللغوي، والاستعارة في التعريف المصطلح عليه عند البلاغيين هي: "استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة، بين ما وضع له، وما استعمل فيه، مع قرينة صارفة عن إرادة المعنى الأصلي"، ونوع العلاقة بين المجاز المرسل والاستعارة هي نقطة التفرقة بينهما.
والاستعارة في أصلها ما هي إلا تشبيه مختصر، وقد تكون أبغ منه، فأصلها: تشبيه حُذف أحد طرفيه، ووجه شبهه، وأداته، وهي أبلغ من التشبيه لأن منتهى المبالغة في التشبيه مهما يكن لابد في من ذكر المشبه والمشبه به، وهذه نقطة التباين بينما، إضافة إلى أن التشابه والتداني في التشبيه لا تصل إلى حد الاتحاد كما هو الحال مع الاستعارة، التي تتمتع بدعوى الاتحاد والامتزاج، وأن المشبه والمشبه به صارا معنى واحداً.
والخوض في الاستعارة قد يطول بتشعب فروعها، فللاستعارة أقسام تتفرع من اعتبارات لجوانب متعددة فيها، وأما في مقامنا نكتفي بأهم هذه الفروع.
فالاستعارة باعتبار طرفيها تنقسم إلى: تصريحية ومكنية.
1. الاستعارة التصريحية:
وهي الاستعارة التي حذف فيها المشبه، وصرح بلفظ المشبه به فقط، وسميت تصريحية لأنها صّرحت بلفظ المشبه به، كما تسمى أيضاً تحقيقية، ونرى ذلك في نحو قوله تعالى:) كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور (، والمراد من الآية: إخراج الناس من عمياء الجهل وظلام الكفر إلى بصائر العلم وهداية الإيمان، فإن الذي يمشي في الكفر كمن يمشي في الظلام، ويتخبّط فيها فيضل، ومن يمشي في الإيمان كمن يمشي في النور ويهتدي إلى طريقه، ومن ذلك شبه الضلال بالظلمات، بجامع عدم الاهتداء، ثم استعير لفظ "الظلمات" للضلال، كما شبه الهدى بالنور، بجامع الاهتداء، ثم استعير لفظ "النور" للهدى، على سبيل الاستعارة التصريحية، والقرينة: "كتاب أنزلناه إليك"، لأن القرآن أنزل ليخرج الناس من الكفر والضلال إلى الهداية، ولم ينزل ليخرجهم من ليل حقيقي إلى نهار حقيقي.
ومثل ذلك قول "المتنبي" وقد قابله ممدوحه وعانقه: فلم أر قبلي من مشى البحر نحوه ولا رجلاً قامت تعانقه الأسْد فلقد استعار البحر والأسد للكرم والشجاعة، للمبالغة فيهما، ويدل على ذلك القرينة: مشى وتعانقه، والمشبه محذوف، والموجود معنا هو المشبه به في كلتا الاستعارتين، لذا تسمى الاستعارة: تصريحية، للتصريح بلفظ المشبه به.
2. الاستعارة المكنية:
وهي التي حذف فيها المشبه به، ورمز إليه بشيء من لوازمه، وقرينتها إثبات لازم المشبه به للمشبه، ذلك نحو قوله تعالى:) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة (.
في الآية تشبيه الذل بالطائر، وقد استعير للمشبه لفظ المشبه به، وهو "الطائر"، ثم حذفه ورمز إليه بشيء من لوازمه، وهو "الجناح"، فالاستعارة المكنية في الآية هي لفظ "الطائر" المحذوف، والقرينة إثبات الجناح للذل، وفي خفض الجناح ما يدل على الخضوع والتذلل، ضد العلو والتعزز، وقد بين سبحانه وتعالى أن سبب الذل للوالدين الرأفة والرحمة بهما.
ونحو قول أبي ذؤيب الهذلي:
وإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع
وقد شبه الشاعر المنية بالسبع في اغتيال النفوس بالقهر والغلبة، من غير تفرقة بينها مهما كانت، واستعار في نفسه لفظ المشبه به وهو: "السبع"، للمشبه وهو: "المنية"، ثم حذف المشبه به واكتفى بالرمز إيه بشيء من لوازمه، وهو: "أظفارها"، والقرينة: إثبات "الأظفار" للمنية، تحقيقاً للمبالغة في التشبيه.
وقد سميت الاستعارة في المثالين السابقين بالاستعارة المكنية، لعدم التصريح بالمشتبه به، والكناية عنه بذكر بعض لوازمه، وقد سميت أيضاً استعارة بالكناية، كما سميت بالتشبيه المضمر، على ما يشير إليه القزويني، لأن التشبيه يضمر في النفس، فلا يصرح بشيء من أركانه سوى المشبه.
3. الاستعارة التمثيلية:
من المجاز اللغوي المركب: الاستعارة التمثيلية، وهي: اللفظ المركب المستعمل في غير ما وضع له، لعلاقة المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي.
¥