تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكن الرازي ضعّفه، لأن الدار والديار عنده " موضع الجثوم، لا موضع الصيحة والرجفة، فهم ما أصبحوا جاثمين إلا في ديارهم .. ولكن خولف بين لفظيهما - وإن كانا بمعنى واحد - للطيفة، وهي: أن الرجفة هائلة في نفسها، فلم يحتج معها إلى مهوِّل، وأما الصيحة فغير هائلة في نفسها؛ لكن تلك الصيحة، لما كانت عظيمة، حتى أحدثت الزلزلة في الأرض، ذكر الديار بلفظ الجمع حتى تعلم هيبتها والرجفة - بمعنى الزلزلة - عظيمة عند كل أحد، فلم يحتج إلى معظم لأمرها ".

وأيّاً كان وجه الصواب في هذين التوجيهين، إلا أننا نجد موضعاً قد اجتمع فيه اللفظان (دار وديار) معاً، واقترنا فيه بالـ (الصيحة)، وذلك في قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ * فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ * فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ * وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود: 64 - 67].

فهل أن قوله تعالى: {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ}، ثم قوله تعالى: {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ}، يدلّ على أن المراد بدارهم وديارهم هو معنىً واحد؟ ثمّ إذا اقترنت الصيحة بالدار وبالديار، فأين يكمن إذن سرّ التفرقة بين التعبيرين؟

لمّا علمنا أنه لا ترادف في القرآن الكريم، فكان لابدّ من البحث عن السرّ في التفرقة - بين الجمع والتوحيد - في النصّ القرآني نفسه. وإذ ذاك لفت انتباهنا أن القرآن الكريم وحّد الدار في كل مكان ذُكر في ابتدائه (وإلى)! وأنه جمع في كل مكان ذُكر فيه (لما جاء أمرنا)! ولفهم هذا التوجيه الدقيق، أسوق لكم النصّين في كل من سورتي الأعراف وهود.

قال تعالى في قصة صالح في سورة الأعراف: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * ... * فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف: 73 - 78].

وقال تعالى في قصة شعيب في سورة الأعراف: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * ... * وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف: 85 - 91].

أما قصّة صالح في سورة هود، فجاءت هكذا: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ * ... * فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ * فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ * وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود: 61 - 67].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير