إذا استقرّت الوسوسة فإنها تتطوّر لتصبح نزغاً، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200]. والنزغ هو حركة وبداية التحرّك والتحريك نحو الباطل. إخوة يوسف جاءتهم الوسوسة عندما فكّروا بالقضاء على أخيهم يوسف، وعندما بدأوا بتنفيذ ما فكّروا به أصبحت هذه الفكرة نزغاً، قال تعالى: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 100]. فالوسوسة تكون من غير إرادتك، والله تعالى لا يحاسب الناس على ما يحدثون به أنفسهم، أما النزغ فهو بإرادتك. يقال فلان نزغ بين الناس أي أفسد بينهم والنزغ في الغالب هو الإفساد بين الناس، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء: 53]، وقال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36].
استزلّ:
يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155]. فكل إنسان عنده شيطان (قرين). وهذا الشيطان ينتظرك ويتحرّى زلاّتك في أي موضوع (زنا، أو غيبة، أو رشوة، أو عقوق ... )، وينتظر زلّتك، فهذا استزلال، وهو عندما يتربّص الشيطان بالإنسان حتى يزلّ. والقاعدة هنا كما في الحديث الشريف: " إن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً "، فعندما تخطيء ينتظر الشيطان ويستزلك حتى تزلّ.
الزلّة:
عند الزلّة يهجم الشيطان على الإنسان لكي يزلّ فعلاً، فيزلّه {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ}. عندما انسحبوا من المعركة (أزلّهم) أي طبّقها فعلاً. استزلّ هي خطوة أخرى بعد وسوس ونزغ، قال تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة: 36]. الشيطان انتظر حتى استزلّ آدم عليه السلام، ثمّ لمّا توجّه آدم نحو الشجرة، وفتح آدم الباب أزلّه الشيطان فأخرجه. فالصغيرة تأتي بك الى الكبيرة، وعندما تُمعِن في الرُخص تفتح باب الزلاّت، ويدخل الشيطان من باب الصغائر حتى تصبح كبائر.
سوّل:
بعد أن يوسوس الشيطان، ثم ينزغ، ثم يستزلّ، ثم يزلّ، فإنه يسوّل أي: يجعله يصرّ على الذنب الذي فعله فيستمر في الذنب ويكرّره ويعود إليه، فالعَوْد شرط مغلظ العقوبة. التسويل إذن هو حرص الشيطان على أن يسهل لك الأمر حتى تعود إليه مرة أخرى {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ} [محمد: 25].
الإملاء:
يملي عليه: بعد أن يستمرّ بالتسويل ويستمرّ على ضلاله يملي الشيطان عليه ويفتح عليه أفكاره، ولهذا قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج: 52]، وقال تعالى: {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ} [محمد: 25]. فبعد أن يحرص على الضلالة ويصرّ على المعصية يملي عليه الشيطان بأفكار وفلسفات. وكثير من البِدع تأتي بالنزغ ثم الاستزلال ثم زلة ثم تسويل ثم تصبح فلسفة يتبعها الناس، قال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3].
التزيين:
والتزيين هو إذا شكّ الضالّ أو المنحرف، فيزيّن له الشيطان عمله حتى يبقى على ضلاله.
الضلال:
بعد أن كان مؤمناً صار ضالاً، وخرج عن الطريق المستقيم {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 60].
الغواية:
ثم يصل المؤمن إلى مرحلة الغواية، وهي الضلال المستمرّ عن جهالة. فقد وقع في براثن الشيطان عبر كل هذا التدرّج وكل هذه المراحل، إلى أن وصل به إلى الغواية، لأنه جاهل لم يستطع أن يقيم الحجة في نفسه. والغواية هي الانحراف عن الطريق المستقيم، وهي أن تفقد مكانك ومكانتك التي كنت عليها عند الله تعالى القائل سبحانه: {وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] والقائل: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115]. وبهذه الفعلة هبطت درجة آدم عند الله تعالى {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء: 55].
الفتنة:
كل ما يجري يصبّ في نهاية الأمر في الفتنة، قال تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27] أي لا يوقعكم في مصائب وبلوى. فالشيطان بعد أن يوسوس للإنسان لحدّ الغواية يقول اذهب في جهنم {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر: 16].
هذه هي أساليب الشيطان، والله تعالى يقول: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].
والله أعلم ..