تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما (الذي)، فإنه أفردَ مع أنهم جماعة، لأنه إذا تساوى الجزء والكل والفرد والجماعة ولم يؤثر الاشتراك في صفة الفرد زيادة ونقصاناً جاز الوجهان، مثل (كمثل الحمار) ففي إفراده إشارة إلى استقلال كل فرد في تمثل الدهشة وتصوير شناعتهم، أو كان (الذي) (الذين) فاختُصر.

وأما (استوقد)، فسينُه إشارة إلى التكلف والتحرّي. وفي إفراده مع جمع الضمير في (نورهم) رمز لطيف إلى أن فرداً يوقدُ لجماعة. ولقد ألطف في الإفراد إيقاداً والجمع استنارة.

وأما (ناراً) بدل (المصباح) أو غيره، فإشارة إلى المشقة في نور التكليف، ورمز إلى أنهم يوقدون تحت النور الظاهري نارَ فتنة. وأما تنكيره فإيماء إلى شدّة احتياجهم حتى أنهم يرضون بأيّة نار كانت.

ثم لننظر الآن إلى جملة (فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم)، لنرى كيف تضيء قيوداتها على ظلمات الدهشة التي هي الغرض الأساسي:

أما (الفاء)، فإيماء إلى أن هجوم اليأس المطلق تعقب كمال الرجاء.

وأما (لما)، فلتضمّنه قياساً استثنائياً مستقيماً مع دلالته على تحقّق المقدم ينتج تحقق التالي وقطع التسلي.

وأما (أضاءت)، فإشارة إلى أن الايقاد للاستنارة لا للاصطلاء، وفيه رمز إلى شدّة الدهشة إذ ما أفاد لهم الاضاءة إلا رؤية المهالك والعلم بوجودها، ولولاها لأمكن مغالطة النفس وتسكينها.

وأما (ما حوله)، فإشارة إلى إحاطة الدهشة من الجهات الأربع، وإلى لزوم التحفظ بالاضاءة عن هجوم الضرر عن الجهات الست.

وأما (ذهب)، فلأنه جزاء الشرط، لابدّ أن يكون لازماً. ولخفاء اللزوم يرمز إلى أنهم لم يتعهّدوها ولم يعرفوا قَدْرَ النعمة فيها فبنفس الاضاءة اُخذوا عن أنفسهم، وأنساهم البطر والفرح تعهّدها فأخذها الله عنهم.

وأما اسناد (ذهب) إلى (الله)، فإشارة إلى قطع رجاءين: رجاء التعمير ورجاء الرحمة؛ لأنه يشير إلى أن الآفة سماوية لا تقبل التعمير، ويرمز إلى أنه جزاءٌ لقصور المرء، ولهذا يأخذه الله تعالى، فينقطع المتمسك به عند انقطاع الأسباب وهو أمل الرحمة، إذ لا يستعان من الحقّ على إبطال الحقّ.

وأما (الباء)، فإشارة إلى اليأس عن العَود؛ إذ لا رادّ لما أخذه الله للفرق البيّن بين ذهب به أي استصحبه، وبين أذهبه أي أرسله، وذهب أي انطلق؛ لإمكان العود في الآخِرَين دون الأول.

وأما (النور)، ففيه إيماء لطيف إلى تذكر حالهم على الصراط.

وأما الاضافة في (هم) المفيدة للاختصاص فإشارة إلى شدّة تأثرهم؛ إذ مَن انطفأت نارُه فقط مع أن نار الناس تلتهب أشدّ تألما.

ولله درّ التنزيل ما ألطفه في فنون البلاغة. أترين كيف توجّهت هيئاتها إلى الغرض الكليّ، أعني الدهشة مع اليأس، كالحوض في ملتقى الأودية؟

ثم أمعني النظر في (وتركهم في ظلمات لا يبصرون): أما (الواو)، فإشارة إلى أنهم جمعوا بين الخسارتين؛ سُلبوا ضياءً وأُلبسوا ظلمة.

أما (تَرَك) بدل (أبقى) أو غيره، فإشارة إلى أنهم صاروا كجسد بلا روح وقشر بلا لبّ، فمن شأنهم أن يُتركوا سدى ويُلقوا ظهرياً.

وأما (في)، فرمز إلى أنه انعدم في نظرهم كل شيء ولم يبق إلا عنوان العدم وهو الظلمة فصارت ظرفاً وقبراً لهم.

وأما جمع (ظلمات)، فإيماء إلى أن سَواد الليل وظلمة السحاب أولَدتا في روحهم ظلمة اليأس والخوف، وفي مكانهم ظلمة التوحّش والدهشة، وفي زمانهم ظلمة السكون والسكوت، فأحاطت بهم ظلمات متنوعة. وأما تنكيرها فإيماء إلى أنها مجهولة لهم لم يسبق لهم الُفْة بمثلها فتكون أشدّ وقعاً.

وأما (لا يبصرون)، فتنصيص على أساس المصائب، إذ مَن لم ير كان أرأى للبلايا، وبفقد البصر يبصر أخفى المصائب. وأما المضارعية فلتصوير وتمثيل حالهم نصب عين الخيال ليرى السامع دهشتهم فيتحسّس بوجدانه أيضاً.

وأما ترك المفعول فللتعميم، أي لا يرون منافعهم ليحافظوها، ولا يبصرون المهالك كي يجتنبوا عنها. ولا يتراءى الرفقاء ليستأنسوا بهم، فكأن كل واحد فرد برأسه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير