تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم انظري إلى قوله (صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون)، لتسمعي ما تتناجى به؛ إذ هذه الأربعة حدٌّ مشترك بين الممثل والممثل به، وبرزخ بينهما ومتوجهة إليهما؛ تتكلم عن حال الطرفين، ومرآة لهما تريك شأنهما، ونتيجة لهما تسمعك قصتهما.

أما الجهة الناظرة إلى الممثل به: فإن من سقط في مثل هذه المصيبة يبقى له رجاء النجاة باستماع نجوى منجٍ، فاستلزمت أبكمية الليلة أصميته. ثم إسماع مغيث فاقتضت أصمية الليل أبكميته. ثم الهدى برؤية نار أو نيّر فأنتج تعامي الليل عميه. ثم العود إلى بدءٍ فأنسد عليه الباب كمن سقط في وحل كلما تحرك انغمس.

وأما الجهة الناظرة إلى الممثل: فإنهم لمّا وقعوا في ظلمات الكفر والنفاق أمكن لهم النجاة عن تلك الظلمات بطرق أربعة مترتبة:

فأولاً: كان عليهم أن يرفعوا رؤسهم ويستمعوا إلى الحقّ ويصغوا إلى إرشاد القرآن، لكن لما صارت غلغلة الهوى مانعة لأن يخلُص صدى القرآن إلى صماخهم، وأخذ التهوّس بآذانهم جاراً لهم عن تلك الطريق، نعى عليهم القرآن بقوله: (صم) إشارة إلى انسداد هذا الباب ورمزاً إلى أن آذانهم كأنها قطعت وبقيت ثقبات مشوهة أو قطعات متدلية في جوانب رؤسهم.

وثانياً: لابدّ لهم أن يخفضوا رؤسهم ويشاوروا وجدانهم فيسألوا عن الحقّ والصراط، لكن لما أخذ العناد على يد لسانهم وجرّه الحقد من خلف إلى الجوف، ألقمهم القرآن الحجر بقوله: (بكم) إشارةً إلى انسداد هذا الباب أيضاً في وجوههم ورمزاً إلى أنهم بالسكوت عن الإقرار بالحقّ كانوا كمن قلع لسانه فبقي الفم ككهف خلا عن ساكنه مشوهاً للوجه.

وثالثاً: لزمهم أن يُرسلوا أنظار العبرة لتجتني لهم الدلائل الآفاقية، لكن وضعَ التغافلُ يدَه على عيونهم وردّ التعامي الأنظار إلى أجفانهم. فقال القرآن: (عميٌ) إشارة إلى أنهم عمهوا عن هذا الطريق أيضاً، ورمزَ بحذف أداة التشبيه إلى أن عيونهم التي هي أنوار الرأس كأنها قلعت فبقيت نُقرات مشوّهة في جباههم.

ورابعاً: لابدّ من أن يعرفوا قبح حالهم القبيح ليتنفروا فيندموا فيتوبوا فيرجعوا. لكن لما زيّنت لهم أنفسُهم تلك القبائح، قال القرآن: (فهم لا يرجعون) إشارة إلى انسداد آخر الطرق عنهم، ورمزاً إلى أنهم وقعوا باختيارهم فيما لا اختيار لهم في الخروج كالمضطرب في بحر الرمل.

والله أعلم ..

ـ[أحلام]ــــــــ[31 - 03 - 2006, 12:18 ص]ـ

الاخوة الافاضل ممكن ان انقل لكم من بديع ماقرأت في هذا الموضوع:

قال الله تعالى:? مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدير ? (البقرة:17 - 20)

لمَّا أخبر الله تعالى في أوائل سورة البقرة عن أحوال المنافقين مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع القرآن الكريم، وبيَّن حقيقة مواقفهم منهما، وكشف عن مكنون صدورهم، وفضح نفاقهم، أراد سبحانه وتعالى أن يكشفَ عن تلك الأحوال، والمواقف كشفًا تامًّا، ويبرزَها في معرض المحسوس المشاهد؛ فأتبعها بضرب هذين المثلين، زيادة في التوضيح والتقرير، ومبالغة في البيان.

وهما مثلان لكلِّ من آتاه الله ضربًا من الهدى، فأضاعه ولم يتوصلْ به إلى نعيم الأبد، فبقيَ متحيِّرًا متحسِّرًا، يخبط في ظلمات الجهل والضلال. ويدخل في عمومه هؤلاء المنافقون؛ فإنهم أضاعوا ما نطقت به ألسنتهم من الحق، باستبطان الكفر وإظهاره حين خلَوا إلى شياطينهم، وكانوا غالبًا من أحبار اليهود، الذين كانوا يجدون في هؤلاء المنافقين أداة لتمزيق الصف الإسلامي وتفتيته؛ كما أن هؤلاء كانوا يجدون فيهم سندًا لهم وملاذًا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير