{يَقُولُونَ بِأَفْو?هِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ}
[آل عمران: 167].
لاحظوا هنا ان الرازي يتابع الزمخشري في جميع تفسيره لهذه الآية إلا في ما خططته باللون الأحمر فإنه يخرج بحكم شرعي وهو: وذلك يدل على أنه لا يجوز الإخبار إلا مع العلم فأما الذي لا يعلم صدقه فالإخبار عنه كالإخبار عما علم كذبه في الحرمة.
النكت والعيون للماوردي:
قوله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: هو أن تتحدث به وتلقيه بين الناس حتى ينتشر.
الثاني: أن يتلقاه بالقبول إذا حدث به ولا ينكره. وحكى ابن أبي مليكة أنه سمع عائشة تقرأ إذ تلِقونه بكسر اللام مخففة وفي تأويل هذه القراءة وجهان:
أحدهما: ترددونه، قاله اليزيدي.
الثاني: تسرعون في الكذب وغيره، ومنه قول الراجز: ............... جَاءَتْ به عنسٌ من الشام تَلِقْ
أي تسرع.
لاحظوا معي أن هناك معنى آخر اضافه الماوردي، وهو الأخذ وعدم الإنكار.
التحرير والتنوير للطاهر عاشور:
{إذ} ظرف متعلق بـ
{أفضتم}
[النور: 14] والمقصود منه ومن الجملة المضاف هو إليها استحضار صورة حديثهم في الإفك وبتفظيعها. وأصل {تلقونه} تتلقونه بتاءين حذفت إحداهما. وأصل التلقي أنه التكلف للقاء الغير، وتقدم في قوله تعالى:
{فتلقى آدم من ربه كلمات}
[البقرة: 37] أي علمها ولقنها، ثم يطلق التلقي على أخذ شيء باليد من يد الغير كما قال الشماخ:
إذا ما راية رُفعت لمجد تلقاها عَرابة باليمين
وفي الحديث: " من تصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيباً تلقاها الرحم?ن بيمينه .. " الحديث، وذلك بتشبيه التهيُؤ لأخذ المعطى بالتهيؤ للقاء الغير وذلك هو إطلاقه في قوله: {إذ تلقونه بألسنتكم}. ففي قوله: {بألسنتكم} تشبيه الخبر بشخص وتشبيه الراوي للخبر بمن يتهيأ ويستعد للقائه استعارة مكنية فجعلت الألسن آلة للتلقي على طريقة تخييلية بتشبيه الألسن في رواية الخبر بالأيدي في تناول الشيء. وإنما جعلت الألسن آلة للتلقي مع أن تلقي الأخبار بالأسماع لأنه لما كان هذا التلقي غايته التحدث بالخبر جعلت الألسن مكان الأسماع مجازاً بعلاقة الأيلولة. وفيه تعريض بحرصهم على تلقي هذا الخبر فهم حين يتلقونه يبادرون بالإخبار به بلا ترو ولا تريث. وهذا تعريض بالتوبيخ أيضاً. (وفي كلامه هذا رحمه الله نلحظ استعراضه للإستعارة، إذ شبه المتلقي بفيه كالمتلقي بيده آلت إلى استعارة مكنية. واستعراضه المجاز وهو هنا بادٍ، بحيث جعل الألسن مكان التلقي بدل الآذان، مجازاً بعلاقة ما ستؤول إليه.).
وأما قوله: {وتقولون بأفواهكم} فوجه ذكر {بأفواهكم} مع أن القول لا يكون بغير الأفواه أنه أريد التمهيد لقوله: {ما ليس لكم به علم}، أي هو قول غير موافق لما في العلم ولكنه عن مجرد تصور لأن أدلة العلم قائمة بنقيض مدلول هذا القول فصار الكلام مجرد ألفاظ تجري على الأفواه.
وفي هذا من الأدب الأخلاقي أن المرء لا يقول بلسانه إلا ما يعلمه ويتحققه وإلا فهو أحد رجلين: أفن الرأي يقول الشيء قبل أن يتبين له الأمر فيوشك أن يقول الكذب فيحسبه الناس كذاباً. وفي الحديث: بـ " حسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع " أو رجل مموه مُراء يقول ما يعتقد خلافه قال تعالى:
{ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام}
[البقرة: 204] وقال:
{كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}
[الصف: 3].
ويجب أن نلاحظ أن الطاهر عاشور رحمه الله قد تكلم عن البلاغة بشيء من التفصيل، فيه نسمات بلاغية راقية المستوى، وهو ما فقدناه في تفاسير أمهات التفاسير في هذه الآية تحديدا.
وفي الخصائص لابن جني هذا القول، وهو تشبيه حال المتلقين لحديث الأفك وتداوله بسرعة مما توافق مع رأي ابن جني في أصل هذه اللفظة.
جاء في الخصائص:
((الرابع "و ل ق" قالوا: ولق يلق: إذا أسرع.
قال: جاءت به عنس من الشام تلق
أي تخف وتسرع. وقرىء "إذ تلقونه بألسنتكم" أي تخفون وتسرعون.))
ومع تبين معنى الولق وهو الإسراع، وقراءة من قرأ بكسر اللام ((تلِقونه)) فتنسجم الصورة التخييلية للموقف مع معنى الكلمة، وهو حرصهم على الإسراع في نقل هذه الحديث، حتى أنهم تلقوه بألسنتهم قبل آذانهم وفي هذا النقل في الآلة المختصة للسمع إلى الآلة المختصة بالنطق، لإشارة إلى سرعة سماع الخبر ونقله بأسرع ما يمكن دون التبين من صحته.
والله أعلم.
ـ[سليم]ــــــــ[11 - 05 - 2006, 08:33 م]ـ
السلام عليكم
لقد اجاب اخي موسى واجاد, والذي اميل اليه هو تفسير الآية على قراءة العامة:" تَلَقَّوْنَهُ " حيث أن المعنى: يَتَلَقَّاهُ بعضكُمْ من بعضٍ. وقال الكلبي:"وذلك أن الرجل منهم يلقى الرجل فيقول: بلغني كذا وكذا، يتلقونه تلقياً".
ولأن قراءة اللفظ بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف (تَلِقُونه) من ولق الرجل: إذا كذب ليس من سياق الآية ,حيث ان السياق بيّن ثلاثة اثام فيمن تكلم بهذا الحديث:
1.السعي في إشاعة الفاحشة، وذلك من العظائم
2.تكلمهم بما لا علم لهم به، وذلك يدل على أنه لا يجوز الإخبار إلا مع العلم،.
3.استصغارهم للامر وهو عظيمة من العظائم.
وقد دلت الآية على ان القذف من الكبائر لقوله:" وَهُوَ عِندَ ?للَّهِ عَظِيمٌ "، وتدل على أن الواجب على المكلف في كل محرم أن يستعظم الإقدام عليه. كما قال إبن عادل في تفسيره"اللباب في علوم الكتاب".
والله اعلم
¥