بل جُعل دليل هذه المعجزة الناطقة شيئاً زائداً في هذا "البيان"، بلغ حدّ التحدّي أنْ يأتي أحد بسورة منه، فلم يستطع ذلك أحد، ولن يستطيع ذلك أحد، إشارة أيضاً إلى فضيلة "البيان" التي قد يتفاضل بها الناطقون على قدر تفاوتهم في رقة المشاعر، ورهافة الحسّ، وحساسية الوجدان .. ما دامت هذه الرسالة الإنسانية ستخاطب في الإنسان جميع ملكاته وإحساساته ومشاعره ..
ولعلّ في ابتداء نزول القرآن الكريم بقوله تعالى: (اقْرَأْ) ما يشير إلى هذه الطبيعة الإنسانية لآخر رسالات الله تعالى إلى الإنسان: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق: 1 - 5].
بل لعلّ في تخصيص الإنسان بـ"البيان" في قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن: 1 - 4] ما يؤكد جميع هذه المعاني، ويوحي بها كذلك. فـ"البيان" يمتاز الإنسان من سائر المخلوقات، وبميزة "البيان" امتازت معجزة القرآن عن باقي المعجزات ..
ولم يكن "البيان" وقفاً على لغة من اللغات، أو أمّة من الأمم، ولكن اختيار لغة العرب لينزل بها القرآن، وليُحمل بها إلى العالم، يشير إلى فضيلة "بيانية" جامعة امتاز بها اللسان العربي على كل لسان.
ولأمرٍ ما أسلم مَن أسلم مِن العرب بهذا "البيان" المعجز، وقال فيه فصحاء العرب المشركين ما قال ..
فحُقّ للدكتور السامرائي أن يسمّي حلقاته بـ"لمسات بيانية"!
وأذكّرك - أخي الفاضل - بكتابه (لمسات بيانية في نصوص من التنزيل)، ولعلّك لو قرأت مقدمّته لعرفتَ السبب الذي دعاه إلى اختيار هذا العنوان، وأنا أنقل لك ههنا بعض ما جاء فيها:
يقول حفظه الله: "إنّ هذا الكتاب - وكذلك الكتاب الذي قبله أعني كتاب (التعبير القرآني) - ليس في بيان الإعجاز القرآني، وليس هو خطوة واحدة في هذا الطريق، وإنما هو خطوة في طريق قد يوصل السالك إلى طريق الإعجاز أو شيء من الإعجاز.
إنّ إعجاز القرآن أمرٌ متعدّد النواحي متشعّب الاتجاهات ومن المتعذر أن ينهض لبيان الإعجاز القرآني شخص واحد ولا حتى جماعة في زمن ما مهما كانت سَعة علمهم واطلاعهم وتعدّد اختصاصاتهم إنما هم يستطيعون بيان شيء من أسرار القرآن في نواحٍ متعدّدة حتى زمانهم هم، ويبقى القرآن مفتوحاً للنظر، لمن يأتي بعدنا في المستقبل ولما يجدّ من جديد.
وأضرب مثلاً لتعدّد نواحي الإعجاز، فإني سمعت وقرأت لأشخاص مختصّين بالتشريع والقانون، يبيّنون إعجاز التشريع القرآني، ويبيّنون اختيارات الألفاظ التشريعية في القرآن ودقتها في الدلالة على دقة التشريع ورفعته ما لا يصحّ استبدال غيرها بها، وإن اختيار هذه الألفاظ في بابها أدقّ وأعلى ممّا نبيّن نحن من اختيارات لغوية وفنية وجمالية.
وقرأت وسمعت لأشخاص متخصّصين بعلم التشريح والطبّ في بيان شيء من أسرار التعبير القرآني من الناحية الطبية التشريحية ودقتها يفوق ما نذكره في علم البلاغة. فألفاظه مختارة في منتهى الدقة العلمية ...
وعلى هذا فالإعجاز القرآني متعدّد النواحي، متعدّد الاتجاهات ...
إنّ التعبير الواحد قد ترى فيه إعجازاً لغوياً جمالياً، وترى فيه في الوقت نفسه إعجازاً علمياً، أو إعجازاً تاريخياً، أو إعجازاً نفسيّاً، أو إعجازاً تربوياً، أو إعجازاً تشريعياً، أو غير ذلك.
فيأتي اللغوي ليبيّن مظاهر إعجازه اللغوي، وأنه لا يمكن استبدال كلمة بأخرى ولا تقديم ما أخر أو تأخير ما قدّم، أو توكيد ما نزع منه التوكيد، أو عدم توكيد ما أكّد ...
إننا ندلّ على شيء من مواطن الفنّ والجمال في هذا التعبير الفني الرفيع، ونضع أيدينا على شيء من سموّ هذا التعبير، ونبيّن أنّ هذا التعبير لا يقدر على مجاراته بشر، بل ولا البشر كلهم أجمعون ... ".
ـ[أبو طارق]ــــــــ[15 - 05 - 2006, 07:28 م]ـ
أستاذي الفاضل داوود: هل وصلك الجواب؟:)
ـ[نور صبري]ــــــــ[15 - 05 - 2006, 08:18 م]ـ
السلام عليكم
إن من يُؤلف مثل هذه المؤلفات أو يقدمها ببرنامج هل يا تُرى يُخطئ في تسميتها؟ ربما، ولكن مع الدكتور فاضل السامرائي فلاتظن ذلك.
ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[15 - 05 - 2006, 08:22 م]ـ
يعلم الله وحده كم سررت لرؤية ذلك أخي أبو طارق، رائعة الروائع منك أخي أبو طارق، ماذا: لمسات بيانية في نصوص من التنزيل، أهٍ ثم اه، وهل يوجد أفضل من تدبر الكتاب في زمن الهجر.
ـ[أبو طارق]ــــــــ[15 - 05 - 2006, 08:43 م]ـ
السلام عليكم
إن من يُؤلف مثل هذه المؤلفات أو يقدمها ببرنامج هل يا تُرى يُخطئ في تسميتها؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
نعم أستاذتي الفاضلة.
ولكن مع الدكتور فاضل السامرائي فلاتظن ذلك
أليس بشراً؟:)
ومع ذلك فقد كان موفقاً حفظه الله ورعاه.
جزاكِ الله خيراً أستاذتي على مرورك الطيب.
يعلم الله وحده كم سررت لرؤية ذلك أخي أبو طارق، رائعة الروائع منك أخي أبو طارق، ماذا: لمسات بيانية في نصوص من التنزيل، أهٍ ثم اه، وهل يوجد أفضل من تدبر الكتاب في زمن الهجر.
نعم أخي الحبيب نائل نحتاج بين الفينة والآخرى أن نجدد فيها إيماننا بالله سبحانه , ولكي نتعرف منها على معجزة الخالق سبحانه وتعالى , في وقت نسأل الله السلامة فيه. جزى الله الدكتور خير الجزاء.
بارك الله فيك أخي الحبيب.