الشمس بحكم أنها كرة فإن دورانها حول نفسها يعتبر جريا، فعجلة السيارة تجري فتسير السيارة، ويمكن أن تجري العجلة في مكانها إذا رفعت السيارة بآلة ثم أدرت المحرك، والمروحة الكهربائية تجري (تدور) إذا وصلت بالكهرباء، كذلك كل شيء دائري أو كروي ينتج نفس الحركة (الجري) سواء دحرجته على الأرض أو دار في مكانه.
ماذا عن المستقر؟
المستقر هو المنتهى، وقد يراد به المكان أو يراد به الزمان، مثلا إذا أريد به المكان: انطلق الصاروخ من قاعدته لضرب سفينة في البحر، فضرب الصاروخ هدفه وكان مستقره هو السفينة.
ويطلق المستقر ويراد به زمن معلوم، مثلا: تبرمج مروحة كهربائية فتؤقتها لتشتغل مدة 60 دقيقة ثم تتوقف أوتوماتيكيا، في هذه الحالة يقال عن المروحة الكهربائية: إنها تجري لمستقر لها، أي تجري لأجل مسمى.
لنأخذ أمثلة لكلمة (مستقر) من القرآن الكريم.
قال تعالى: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).
المستقر هنا أريد به الزمان، أي أن لكل نبإ أجل مسمى = زمن معلوم يتحقق فيه واقعا.
إذن فالمستقر في قوله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) هو مستقر زمني معلوم فسرته آية أخرى بأنه أجل مسمى وذلك في قوله تعالى: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ.
وهكذا نستخلص أن: تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا = يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى.
وأود أن أختم المقال بملاحظة هامة جديرة بالتدبر وهي ما ختم الله بها سورة النمل بقوله: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
لو كان تفسير السلف الذين عاصروا التنزيل للآية 88 من سورة النمل هو التأويل وأن الجبال التي تمر مر السحاب سيكون ذلك عند قيام الساعة لقال الله (كذلك يريكم الله آياته) بدلا من (سيريكم)، لكن الله أتى بفعل (سيريكم) لنستدل به أن تأويل هذه الآية 88 وكل آيات سورة النمل التي ضربها الله أمثالا لأحداث المستقبل سيضل تأويلها غيبا إلى أجل مسمى.
ـ[سليم]ــــــــ[17 - 05 - 2006, 12:20 ص]ـ
السلام عليكم
أخي الحبيب الحسن الهاشمي المختار, بارك الله فيك ونِعم ما ذكرت من بيان ... حقًا إنك لمُجيد.
زد بيانًا تزدد عِيَاناً.
ـ[الحسن الهاشمي المختار]ــــــــ[22 - 05 - 2006, 09:46 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أشكرك أخي الحبيب سليم على التعليق. بارك الله فيك.
وسنرى إن شاء الله آيات أخرى في الآفاق وفي الأنفس، ولي عودة للكلام عن آيات سورة النمل.
ـ[الحسن الهاشمي المختار]ــــــــ[29 - 05 - 2006, 09:21 ص]ـ
قال تعالى: طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2).
نلاحظ أن السورة ابتدأت بحرفين مقطعين هما (طس)، وهما المشار إليهما باسم الإشارة (تلك) وأنها آيات القرآن وكتاب مبين وهي هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ.
من هم هؤلاء المؤمنون الموعودون بالهدى والبشرى؟
هل هم المؤمنون الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
لا يمكن أن يكون المعاصرون لرسول الله هم الموعودون بالهدى والبشرى لأنهم كانوا في عصر الهدى، لو كانوا هم الموعودين لعرفها الله لهم لا أن يجعلها مرموزة بحرفي (طس).
إذن فهي آيات لم يعرفها الأولون لأنهم لم يرونها وإنما هي آيات سيراها الآخرون فيعرفونها، لذلك قال الله في آخر سورة النمل: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. هؤلاء المؤمنون وصفهم الله بقوله: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).
قد يتسائل البعض فيقول: لماذا يتكرر الضمير (هم) مرتين إذ يكفي أن يقول: وهم بالآخرة يوقنون. أو يقول: وبالآخرة هم يوقنون.
لكن الله أكد بالضمير (هم) مرتين فقال: وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).
ما الحكمة من ذلك؟
¥