تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(إِنّا أَعطيناكَ الكوثر) أي: هذه الفضائل المتكاثرة المذكورة في هذه السور، التي كل واحدة منها أعظم من ملك الدنيا بحذافيرها، فاشتغل أنت بعبادة ربك، إما بالنفس، وهو قوله (فصل لربك) وإما بالمال، وهو قوله (وانحر) وإما بإرشاد العباد إلى الأصلح، وهو قوله: (قُل يا أَيُها الكافرون لا أَعبدُ ما تعبدون) فثبت أن هذه السورة كالمتممة لما قبلها وأما كونها كالأصل لما بعدها فهو: أنه تعالى يأمره بعد هذه أن يكف عن أهل الدنيا جميعاً بقوله: (قُل يا أَيُها الكافرون) إلى آخر السورة ويبطل أذاهم، وذلك يقتضى نصرهم على أعدائهم، لأن الطعن على الإنسان في دينه أشد عليه من الطعن في نفسه وزوجه، وذلك مما يجبن عنه كل أحد من الخلق، فإن موسى وهارون أرسلا إلى فرعون واحد فقالا: (إِنا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى) ومحمد صلى الله عليه وسلم مرسل إلى الخلق جميعاً، فكان كل واحد من الخلق كفرعون بالنسبة إليه فدبر الله في إزالة الخوف الشديد تدبيراً لطيفاً، بأن قدم هذه السورة، وأخبر فيها بإعطائه الخير الكثير، ومن جملته أيضاً: الرئاسة، ومفاتيح الدنيا، فلا يلتفت إلى ما بأيديهم من زهرة الدنيا، وذلك أدعى إلى مجاهدتهم بالعداوة، والصلح بالحق، لعدم تطلعه إلى ما بأيديهم ثم ذكر بعد سورة الكافرين سورة النصر، فكأنه تعالى يقول: وعدتك بالخير الكثير، وإتمام أمرك، وأمرتك بإبطال أديانهم، والبراءة من معبوداتهم، فلما امتثلت أمري أنجزت لك الوعد بالفتح والنصر، وكثرة الأتباع، بدخول الناس في دين الله أفواجاً ولما تم أمر الدعوة والشريعة، شرع في بيان ما يتعلق بأحوال القلب والباطن وذلك أن الطالب إما أن يكون طلبه مقصوراً على الدنيا، فليس له إلا الذل والخسارة والهوان، والمصير إلى النار، وهو المراد من سورة تبت وإما أن يكون طالباً للآخرة، فأعظم أحواله أن تصير نفسه كالمرآة التي تنتقش فيها صور الموجودات وقد ثبت أن طريق الخلق في معرفة الصانع على وجهين: منهم من قال: أعرف الصانع، ثم أتوسل بمعرفته إلى معرفة مخلوقاته، وهذا هو الطريق الأشرف، ومنهم من عكس، وهو طريق الجمهور ثم إنه سبحانه ختم كتابه المكرم بتلك الطريقة التي هي أشرف فبدأ بذكر صفات الله، وشرح جلاله، في سورة الإخلاص ثم أتبعه بذكر مراتب مخلوقاته في الفلق، ثم ختم بذكر مراتب النفس الإنسانية في الناس، وعند ذلك ختم الكتاب فسبحان من أرشد العقول إلى معرفة هذه الأسرار الشريفة في كتابه المكرم هذا كلام الإمام ثم قال في سورة الفلق: سمعت بعض العارفين يقول: لما شرح الله سبحانه أمر الإلهية في سورة الإخلاص، ذكر هاتين السورتين عقبها في شرح مراتب الخلق على ما قال: (ألا له الخلق والأمر) فعالم الأمر كله خيرات محضة، بريئة عن الشرور والآفات، أما عالم الخلق فهو الأجسام الكثيفة، والجثمانيات فلا جرم قال في المطلع: (قُل أَعوذُ برَبِ الفَلق مِن شَرِ ما خَلق) ....

وهكذا أخي فريد فإن ترتيب السور كما ترى توقيفي ,وكونه توقيفي لاينفي البلاغة, بل على النقيض فإن هذا مما يؤكد ثبوت البلاغة ويحفز دراستها والوقوف على بدائعها.

ـ[فريد البيدق]ــــــــ[25 - 05 - 2006, 12:49 م]ـ

الكريم "سليم"؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،

إذن هيا للإثراء!!

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير