وإليك ما ذكر المفسر إبن عاشور في كتابه التحرير والتنوير:"وجملة: {لم تكن آمنت من قبل} صفة {نفساً}، وهي صفة مخصّصة لعموم: {نفساً}، أي: النّفس التي لم تكن آمنت من قبل إتيان بعض الآيات لا ينفعها إيمانها إذا آمنت عند نزول العذاب، فعلم منه أنّ النّفس التي كانت آمنت من قبل نزول العذاب ينفعها إيمانها في الآخرة. وتقديم المفعول في قوله: {نفساً إيمانها} ليتمّ الإيجاز في عود الضّمير.
وقوله: {أو كسبت في إيمانها خيراً} عطف على {آمنت}، أي أو لم تكن كسبت في إيمانها خيراً.
و {في} للظرفيّة، وإنَّما يصلح للظرفية مدّة الإيمان، لا الإيمان، أي أو كسبت في مدّة إيمانها خيراً. والخير هو الأعمال الصّالحة والطّاعات.
و {أو} للتّقسيم في صفات النّفس فيستلزم تقسيم النّفوس التي خصّصتها الصّفتان إلى قسمين: نفوس كافرة لم تكن آمنت من قبل، فلا ينفعها إيمانها يوم يأتي بعض آيات الله، ونفوس آمنت ولم تكسب خيراً في مدّة إيمانها، فهي نفوس مؤمنة، فلا ينفعها ما تكسبه من خير يوم يأتي بعض آيات ربّك. وهذا القسم الثّاني ذو مراتب متفاوتة، لأنّ التّقصير في اكتساب الخير متفاوت، فمنه إضاعة لأعمال الخير كلّها، ومنه إضاعة لبعضها، ومنه تفريط في الإكثار منها. وظاهر الآية يقتضي أن المراد نفوس لم تكسب في إيمانها شيئاً من الخير أي اقتصرت على الإيمان وفرّطت في جميع أعمال الخير.
وقد علم من التّقسيم أنّ هذه النّفوس لا ينفعها اكتساب الخير من بعد مجيء الآيات، ولا ما يقوم مقام اكتساب الخير عند الله، وهو ما منّ به على هذه الأمّة من غفران السيّئات عند التّوبة، فالعزم على الخير هو التّوبة، أي العزم على اكتساب الخير، فوقع في الكلام إيجازُ حذف اعتمَاداً على القرينة الواضحة. والتّقدير: لا ينفع نفساً غيرَ مؤمنة إيمانُها أو نفساً لم تكن كسبت خيراً في إيمانها من قبل كسبها، يعني أو ما يقوم مقام كسب الخير، مثل التّوبة فإنَّها بعض اكتساب الخير، وليس المراد أنّه لا ينفع نفساً مؤمنة إيمانُها إذا لم تكن قد كسبت خيراً بحيث يضيع الإيمان إذا لم يقع اكتساب الخير، لأنَّه لو أريد ذلك لما كانت فائدة للتّقسيم، ولكفى أن يقال لا ينفع نفساً إيمانها لم تكسب خيراً، ولأنّ الأدلّة القطعية ناهضة على أن الإيمان الواقع قبل مجيء الآيات لا يُدْحَض إذا فرّط صاحبه في شيء من الأعمال الصّالحة، ولأنَّه لو كان كذلك وسلَّمناه لما اقتضى أكثر من أنّ الّذي لم يفعل شيئاً من الخير عدا أنَّه آمن لا ينفعه إيمانه، وذلك إيجاد قسم لم يقل به أحد من علماء الإسلام".
والله أعلم
ـ[محمد بن أحمد بن محمد]ــــــــ[27 - 07 - 2006, 12:05 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله:
قلنا لا حذف في الآية بناء على أن أو للوصل لا الفصل.
فيكون المعنى محمولا على فهم اهل السنة للإيمان لا فهم أهل الإرجاء.
فمقهوم الآية أن الانتفاع مشروط بإيمان وعمل وهو المعبر عنه باكتساب الخير.
فيؤول معنى الآية إلى ما فهمه الشوكاني من أن الانتفاع مشروط بإيمان واكتساب خير ..... وليس في العطف لغو أو تكرير لأن الأمر متعلق بعطف ركن واجب. كما تقول حج ووقف بعرفات .... وفائدة العطف هو التنبيه على أهمية الركن وإلا فلا يتصور أحدهما دون الآخر .....
ويجوز فهم "أو" على ظاهرها الفصلي فيكون المعنى -مع دلالات المفهوم- أن هناك فريقين ناجيين وفريقين هالكين:
-من آمن ثم رأى الآيات بعد ذلك مباشرة ولم يكن له وقت لاكتساب الخير .... فهذا ناج إن شاء الله.
-من آمن قبل رؤية الآيات وكان له وقت لاكتساب الخير فاغتنمه. وهذا ناج أيضا.
-من لم يؤمن إلا عند رؤية الآيات وكان من قبل كافرا فهذا هالك.
-من آمن قبل رؤية الآيات لكنه لم يعمل شيئا ولم يكتسب خيرا مع إمكان ذلك .....
فهذا كافر ... لأن التصديق وحده ليس إيمانا عند أهل السنة والجماعة .... وليس هنا محل تفصيله.
والله اعلم.
ـ[أيمن الدوسري]ــــــــ[29 - 07 - 2006, 03:25 م]ـ
جزاكم الله خيرًا
وما الفرق بين تفسير الشوكاني وبين تفسير الزمخشري المعتزلي لهذه الآية حيث يقول:
(لم تكن آمنت من قبل) صفة لقوله (نفسًا) وقوله (أو كسبت في إيمانها خيرًا) عُطفت على (آمنت) والمعنى: أن أشراط أن أشراط الساعة إذا جاءت وهي آيات ملجئة مضطرة ذهب أوان التكليف عندها فلم ينفع الإيمان حينئذ نفسًا غير مقدمة إيمانها قبل ظهور الآيات أو مقدمة إيمانها غير كاسبة خيرًا في إيمانها، فلم يفرق كما ترى بين النفس الكافرة إذا آمنت في غير وقت الإيمان وبين النفس التي آمنت في وقته ولم تكسب خيرًا ليعلم أن قوله (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) جمع بين قرينتين لا ينبغي أن تنفك إحداهما عن الأخرى حتى يفوز صاحبها ويسعد، وإلا فالشقوة والهلاك)
فالمعتزلي يقول: مجرد الإيمان الصحيح لايكفي بل لابد من انضمام عمل يقترن به ويصدقه
¥