تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[معاوية]ــــــــ[21 - 09 - 2006, 08:17 م]ـ

لقد عرفنا البلاغة بعد أن أصبحت حدودًا منطقية، وشروحًا فلسفية، وصنعة متكلّفة، فرأيناها تعابير جامدة، وتعريفات أقرب إلى حدود النحو أو المنطق منها إلى ذوق الفطرة وطبع النفس.

ـ[معاوية]ــــــــ[22 - 09 - 2006, 09:25 م]ـ

ومضت بعد ذلك عصور الركود، وفتحنا أعيننا على الغرب، فإذا هو منّا على بُعدٍ بعيد ... ولم يكن لنا بدّ من أن نحثّ الخطا مهتدين بهديه، متأثرين بكثير من جوانب الحياة الغربية .. وكانت لغتنا يوم اتصل الشرق العربي بالغرب، عاجزة عن القيام بنفسها، بله استيعاب ما جاءنا عنه، ولم يكن بدّ من تطوير اللغة، وبدأ هذا التطوير فعلاً، ولكن من ينتظر؟ لقد عدا الشرق لاهثًا وراء حضارة الغرب ووراء أدب الغرب ونقد الغرب، فأخذنا من فنونه الأدبية الشيء الكثير؛ إننا حاولنا أن نطوّر ما ورثناه من قديمنا في ضوء ما رأيناه حديثًا عنده، وقلَّدناه فيما لم نجد عندنا نظيرًا له.

ـ[معاوية]ــــــــ[23 - 09 - 2006, 02:39 م]ـ

وكانت للغربيين نظرات في الأدب وفنونه، وفي النقد ومذاهبه، وفي البلاغة وحقيقتها، وكان لا بدّ أن يتسرّب شيء من كل ذلك إلينا.

ـ[معاوية]ــــــــ[23 - 09 - 2006, 09:03 م]ـ

ولعلّنا لا نجانب الصواب إذا بادرنا منذ الآن إلى القول إن البلاغة إذا كانت منبعثة عن الذوق أو متأثرة به، فإن لكل أمة ذوقها المتصل بطبيعتها. وإذا كانت البلاغة من المقاييس النقدية، فإن لكل فن مقياسًا من طبيعته، وليس صحيحًا في نظرنا، ولا معقولاً، أن ننقد شعر زهير أو المتنبي بمقاييس وضعت لنقد أدبٍ غير الأدب العربي، بل هو أدب مباين له طبيعة وزمانًا وبيئة ومكانًا.

ـ[معاوية]ــــــــ[25 - 09 - 2006, 02:31 ص]ـ

إن الذين عقدوا الموازنات بين بعض الشعراء العرب، كعمر بن أبي ربيعة وأبي الطيب المتنبي من جهة، وبعض الشعراء الغربيين من إفرنسيين وإنكليز من جهة ثانية، لم يكونوا على صواب حين نظروا في موازنتهم من زاوية بلاغية أو ذوقية. إن مثل هذه الموازنات لا تكاد تقوم في غير مجال المفاهيم الإنسانية العامة والمُثُل المشتركة. وأما الصور وما تقوم عليه من تشبيهات واستعارات، وأما التعبيرات، فإن لكل شعب فيها ذوقه، ولكل أمة فيها طبيعة.

ـ[معاوية]ــــــــ[25 - 09 - 2006, 09:16 م]ـ

إن تشبيه وجه الحبيب بالقمر مثلاً، أمر إذا ألفه العربي فقد يمجّه أو لا يستحسنه ذوق الغربي. ومن أين للغربي معاني " القمر " التي تعيش في ذهن العربي وخياله؟؟

إن القمر إذا كان في ذهن الغربي قرصًا مدوّرًا من النار، فإنه عند العربي أنيس ليله في صحرائه، ورفيق طريقه في مساربها ...

ـ[معاوية]ــــــــ[27 - 09 - 2006, 11:38 ص]ـ

ثم إن طبيعة العقل العربي ذات خصائص مميزة، ولعل من أهم تلك الخصائص عندنا، أن العقل العربي ذو طبيعة وثّابة؛ ونعني بذلك أن العربي حين ينطق بالكلمة فإن ذهنه يثب بين مفهومين لها بينهما بون بعيد .. إنه يبدأ بالكلمة الدَّالة على الشيء المحسوس ثم لا يلبث حتى يقفز إلى مدلول معنوي آخر .. إنه سرعان ما يترك المرحلة البدائية الأولى في التعبير، لينتقل إلى مرحلة فكرية راقية؛ فإذا قال كلمة كان لها يوم أوجدها مدلول حسِّي، فإنه سرعان ما يغادر مدلولها ذلك الحسِّي ليشير بها إلى مدلول قفز إليه بذهنه، واستعملها للإشارة إليه.

إنه إذا قال " الحقد " لم يذكر معناه الحقيقي الذي هو انحباس المطر في السماء، ولكنه ذكر انحباس الغيظ في الصدر. وإذا قال " المجد " لم يذكر امتلاء بطن الدابة بالعلف، وهو معنى المجد أصلاً، ولكنه ذكر امتلاء الإنسان بالصفات الكريمة.

ـ[معاوية]ــــــــ[28 - 09 - 2006, 10:19 م]ـ

وكذلك هو إذا قال " القمر " أو شبَّه به الحبيب، فإنه لايريده بطبيعته النارية، ولا بشكله المدوّر، بل لم يخطر له شيء من ذلك على بال، ولكنه أراد ما يوحي به القمر من معاني النور والهداية والأنس، وما يحيط به من هالات السحر الغامض، والجمال الدافئ العجيب.

ـ[معاوية]ــــــــ[29 - 09 - 2006, 02:24 م]ـ

تلك هي عقلية العربي في إطلاق اللفظ، وتلك هي وثبته الفكرية السريعة الرائعة بين كلمةٍ ينطق بلفظها ومدلولٍ يشير بها إليه.

ومن خلال هذه الطبيعة وحدها ينبغي أن ننظر إلى الألفاظ التي يستعملها الشاعر العربي، ومن خلالها أيضًا ينبغي أن نقدّر جمال صوره وما تقوم عليه من تشبيهات واستعارات ...

وأما أن ننظر إلى البلاغة على أنها هي الإرث الذي وصل إلينا من عصور الانحطاط، ومن خلال قوالب وحدود منطقية، وشروح واستطرادات فلسفية، ثم نوازن كل ذلك بما عند الغربيين من مذاهب النقد وفنون القول، فإن ذلك قتل لطبيعة البلاغة العربية، وتزييفٌ لحقيقتها، ثم هو قبل ذلك جهل بوظيفة البلاغة ومهمتها وصلتها باللغة التي هي بلاغتها!

ـ[معاوية]ــــــــ[30 - 09 - 2006, 10:02 م]ـ

ولعل هذا الذي ذكرناه يستطيع أن يفسر لنا بعض ما نراه عندنا في الأدب الحديث والنقد الحديث من عزوف عن البلاغة وتنكر لها، وتنحية لها عن مجال الأدب والنقد.

لعله يفسر لنا بعض ما نراه من تناول الأدب العربي الحديث والنقد الحديث لكل شيء إلا بحوث البلاغة وما يتصل بها.

لعله يفسر لنا لماذا كانت المكتبات ودور النشر في العالم العربي تقذف كل يوم عشرات الكتب من كل نوع إلا ما كان متصلاً بالبلاغة؛ إنه ينقضي جيل أو أكثر دون أن يصدر كتاب واحد يتصل بالبلاغة، بل ما بالنا نذهب بعيدًا ونحن نرى كلية الآداب في أكبر جامعة في العالم العربي لا تقيم وزنًا للبلاغة، ولا تدرّسها حتى للمختصين من طلابها .. وإذا سألت عنها في المنهاج قيل لك إنها مسماه بـ " النقد ". ومنهاج مادة النقد هذه لا صلة له أبدًا ببلاغة العرب التي نريد!!

نعم يجب ألاّ نكتم دهشتنا حين نعلم أن طالب قسم اللغة العربية في إحدى كليات الآداب في الوطن العربي يحمل إجازة الآداب (الليسانس) وهو لا يعرف مصدرًا واحدًا من مصادر البلاغة بله فنون البلاغة وأقسامها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير