تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

· اعتمد القرآن على أسلوب الاستثناء ليكون طريقة عامة لعرض صورة الإنسان في السورتين ولكنه نّّوع في هذا العرض من جانبين هما الإجمال والتفصيل إذ قرر في الاستثناء الأول حقيقة واحدة وهي "الخسارة" التي فيها الإنسان حين يضيع عمره فيما لا ينفعه ويحقق له الربح ثم استثنى من ذلك الذين عرفوا طريق الإيمان وطبقوه ودلوا عليه من حولهم أما في الاستثناء الثاني فقد قرر حقيقتين مرتبطتين وهما خلق الإنسان في أحسن تقويم ثم تغيير هذا الحسن ومن ثم استثنى الذين آمنوا وعملوا الصالحات وفي الإجمال والتفصيل يرتكز الذهن على أهم ما في التصوير بل وموضوعه الأساسي وهو الخسارة في السورة الأولى وعملية التحويل العجيبة من الحسن إلى ضده في السورة الثانية ويتحقق بذلك عنصر المفاجأة وتحدث الألفاظ أثرها في القلب والذهن فيندفع الإنسان باحثاً عن طريق الفوز والنجاة من الخسارة والتغيير إلى القبح ذلك الطريق الذي تكفل المستنثى منه بتوضيحه – ضمنياً وبذلك يوظف التصوير في تقرير حقيقة الإيمان كوسيلة وحل – لا حل غيره – للنجاة من هذا الخسر والانقلاب العجيب في الأحوال، إنه الايمان الكامل الذي يدفع صاحبه إلى الحركة العملية ويوقظ فيه كل أجهزة التلقي فيعمل الصالحات من الأعمال "والصبر واحد منها" ويوصي غيره بها. وبذلك يحقق لنفسه ولمن حوله الفوز والفلاح.

· استغل التصوير كافة الإمكانات الصوتية للألفاظ والحروف ليبرز التصوير جلياً واضحاً ويحقق الأثر المطلوب في نفس السامع وعقله وذلك من خلال احداث نغم صوتي أو تناغم تلذه الأذن وترتاح إليه النفس والأصوات عموماً عنصراً أساسي من عناصر الإيقاع ([ cii]). والقرآن لا يخلو من النغم الذي هو صفة أصلية في اللغة المنطوقة قبل أن يكون خاصة من خصائص الفن الأدبي كما يقول الدكتور نعيم اليافي ([ ciii])، وأول ما يلفتنا في هذين التصويرين ذلك النغم المنساب والمتولد من المدود الطبيعية في "الإنسان، لفي، الذين، آمنوا، عملوا، الصالحات، خلقنا، تقويم" وكذلك المد العارض للسكون في الزيتون، سينين، الأمين، تقويم، سافلين" ولما كان عنصر الوضوح السمعي في أصوات المد أكثر منه في بقية الاصوات جميعاً ([ civ]) بل هو أساس التفرقة بين الساكن واللين من الأصوات ([ cv]) بسبب عدم وجود عائق أو احتكاك في أثناء النطق بها فيخرج الهواء من الفم خروجاً سلساً حراً ([ cvi])، فقد اكتسب التصوير درجة عالية من الوضوح النغمي من وراء هذه المدود المتوالية. وفي وضوح النغم زيادة وضوح لمعاني الألفاظ ومدلولاتها ([ cvii]).

ويلحظ في تردد صوت "السين" في التصويرين تردداً جعل اللفظة موحية بالمعنى بجرسها قبل أن يوحي مدلولها اللغوي عليه، فهذا الصوت الرخو المهموس المرقق ([ cviii]) أوحى بمعنى النقصان والسفول المادي في "خسر" وبمعنى الخسران المادي المتمثل في الهرم والتلف أو المعنوي المتمثل في الوقوع في العذاب الشديد في قوله تعالى "أسفل سافلين" كما عمق صوت السين في سورة "التين" معنى البعد المكاني أو البعد ما بين الأحوال، حال الإنسان في أول النشأة والخلقة، وحاله عند الكبر، والهرم.

أما صوت الراء الساكن في التصوير الأول – وهو صوت لثوي مكرر مجهور مفخم متوسط بين الشدة والرخاوة ([ cix]) فقد ولد إيقاعاً سريعاً وقصيراً وكأنه نذير محدد وسريع وبذلك يحقق الصوت نغماً متناسباً وملائماً للجو العام للآيات فهناك خسارة جسيمة وشيكة الوقوع استدعت تنبيهاً سريعاً لكيفية تلافيها والخروج منها فليس المقام مقام شرح ولا تطويل بل مقام حركة سريعة كحركة الزمن وقد وقع هذا الحرف في الفاصلة القرآنية والفاصلة في القرآن كالقافية في الشعر بل تزيد عليه لشحنة المعنى ووفرة النغم والسعه والحركة الحرة ([ cx]). وبذلك تؤدي الفاصلة القرآنية دوراً دلالياً ونغمياً في وقت واحد فهي "حروف متشاكلة في المقاطع توجب حسن إفهام المعاني" ([ cxi]). وتحمل شحنتين في آن واحد شحنة من الوقع الموسيقي وشحنة من المعنى المتمم للآية ([ cxii]). ويزيد قيمة هذا التنغيم ذلك "التصاعد النغمي الناتج عن البدء بالفواصل القصيرة ففواصل أطوال فأطول " ([ cxiii]).

ـ[ايام العمر]ــــــــ[16 - 09 - 2006, 05:34 م]ـ

مصادر البحث

1 - الأصوات اللغوية. إبراهيم أنيس، مكتبة الأنجلو المصرية، ط5، 1979.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير