تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إلى خسر مما يدفعه إلى تلمس سبل النجاة وطرقها تلك الطرق التي تكفلت بقية الآية بتوضيحها.

وفي استخدام صيغة "أفعل" في أحسن "وأسفل" بلاغة عجيبة تضع السامع أمام صوريتين متضادتين للإنسان هي خلقه من العدم وإيجاده في أحسن تقويم وما يتضمن ذلك من بديع صنع وإعجاز خلق على غير معهود ثم الصورة الثانية وهي تحويله وتغيير حاله إلى أسفل سافلين سواء بالهرم والضعف وتغير الشكل أو بالرد أسفل الدركات لمن حق عليه العذاب – والعياذ بالله – وهذا التضاد بين الصورتين – الحسن والقبح – لابد وأن يهز وجدان السامع ويبعث في قلبه الخوف والرهبة ويدفعه إلى التفكير والتركيز في هاتين الصورتين المتضادتين وتصور البعد الكبير في إيحاء كل منها ومدلولها، كما أن في التنافر والتضاد حركة يمكن أن تولد شيئاً من النغم الصوتي إذ أن الموسيقى "ليست مقاماً للصوت فحسب وإنما هي حالة وكيفية تبتدي بالحركة والتوقف .. والتوافق والتنافر وهذه الصفات تضمها كلمة التقابل" ([ xciv]) وبذلك ينضم الأثر الدلالي إلى الأثر الصوتي ليحدثا معاً أبلغ التأثير في السامع.

والجملة العربية تعتمد في التعبير عن المعنى اعتماداً كلياً على الحرف ([ xcv]) ، بل لا يمكن أن تؤدي كل المعاني بغير الحروف الموضوعة لكل معنى ([ xcvi]). وقد جاء الحرف "في" الدال مجازاً على الظرفية في التصويريين، فقد أوجد في السورة الأولى تصويراً خفياً يتجلى في أن ملازمة الخسارة للإنسان وإحاطتها به مشابهة لإحاطة الظرف بالمظروف وفي السورة الثانية أدى الحرف نفسه دوراً معنوياً يتجلى في معنى التمكن وقوة الملابسة. وفي العطف بالواو بين " الذين آمنوا " و "عملوا الصالحات" تأكيد على أثر الإيمان الإيجابي في العمل ويتضمن أثر المعاصي السلبي فيه. وفيه أيضاً إيحاء قوي بقيمة العمل فهو مظهر عملي للإيمان القابع في النفوس، لذا جمع بينهما بالواو التي تقيد مطلق الجمع. وفي الربط بين " الذين آمنوا " و "عملوا الصالحات" و "تواصوا بالحق" و "تواصوا بالصبر " ربط لمصلحة الآخرة بمصلحة الدنيا مما يدفع الناس ويحثهم على المسارعة إلى الخيرات وأعمال الطاعات وفيه نفع للأفراد والجماعة لأن تقديم المصلحة الباقية على المصلحة الفانية يحد من الأنانية وحب الدنيا ويدفع إلى التضحية والمشاركة للآخرين طمعاً في نيل مصالح الآخرة ([ xcvii]).

وفي إضافة الظرف "أسفل" إلى سافلين اكتسب الظرف إيحاء جديداً يوحي بالبعد والعمق في التدني ويثير في النفس دلالة إضافية للظرف غير دلالته المعرفية الدالة على مكان محدد، وبذلك اكتسب قوة وتأثيراً جديداً له دوره في إحداث الخوف والرعب من هذا السفول.

· جاء التصوير – جواب القسم – في السورتين جملة خبرية إسمية في الأولى وفعلية فعلها ماض في الثانية وذلك لإفادة معنى الثبوت والدوام في الجملة الإسمية ثبوت الخسارة ولزومها الإنسان إن لم يهتد إلى طريق النجاة - وتحقق الوقوع - للفعل "الخلق في أحسن تقويم والرد إلى أسفل سافلين" وحصوله في الجملة الفعلية بل وتقريب هذا الفعل من الحال وذلك باستخدام "قد" معه وقد إذا دخلت على الماضي قربته من الحال، ولما كان الإيمان مناط الاعتبار في القرآن ([ xcviii]) ، جاء التعبير في السورتين بلفظة "الإيمان" في وصف الناجين من الخسر والسفول. والإيمان هنا مقصود بعينه لا ينوب عنه غيره كالتصديق (مثلاً) لأن هاتين اللفظتين وإن سحت جملة إلا أنها لا تكون من باب الترادف وإنما هي من باب التقريب ([ xcix]) ، مما يشعر بدقة التعبير وبراعة السياق في تحديد المقصود دون غيره بشكل واضح لا لبس فيه، والإيمان المقصود هنا هو ذلك الإيمان الشامل إيمان بثبات السنن الكونية وحتمية الحساب العادل، إيمان يولد العزة في النفوس ويدفعها لرفض الذل والخضوع ([ c]). وفي ذكر الإيمان في التصويرين تأكيد على دوره في تنجية المسلم من دخول النار أصلاً وإخراجه منها إن كتب عليه دخولها لأن "من كان معه من الإيمان أقل القليل لم يخلد في النار ([ ci]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير