تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أَحَدُ الدَّلائِلِ الْوَاضِحَاتِ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفَاً: اعْلَمُ عَنْ يَقِينٍ وَاسْتِقْرَاءٍ تَامٍّ لِتَحْقِيقَاتِ الْكَثِيرِينَ مِنْ رُفَعَاءِ وَقْتِنَا: أَنَّهُ اسْتَقَرَّ فِي أَذْهَانِ الْكَثِيرِينَ مِنْهُمْ مَا أَوْدَعُوهُ مُصَنَّفَاتِهِمْ، وَتَابَعَهُمْ عَلَيْه أَكْثَرُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ: أَنَّ حَدِيثَ الْمَقْبُولِ ضَعِيفٌ إِذَا تَفَرَّدَ وَلَمْ يُتَابَعْ، كَذَا زَعَمُوا، وَذَلِكَ لِتَقْرِيرَاتٍ أَخْطَأَ وَاضِعُوهَا فِي فَهْمِ مُرَادِ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ مِنْ مُصْطَلَحِهِ ذَا.

وَبَيَانُهُ: أَنَّهُمْ يَعْمَدُونَ إِلَى تَضْعِيفِ حَدِيثِ الْمَقْبُولِ بِقِيَاسٍ عَجِيبٍ غَرِيبٍ، فَيَقُولُونَ: هَذَا سَنَدٌ ضَعِيفٌ بِفُلانٍ، قَالَ عَنْهُ ابْنُ حَجَرٍ: مَقْبُولٌ يَعْنِي عِنْدَ الْمُتَابَعَةِ، وَإِلاَّ فَلَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَحَيْثُ أَنَّهُ لَمْ يُتَابَعْ عَلَى حَدِيثِهِ، فَهُوَ عِنْدَهُ ضَعِيفٌ.

وَذَلِكَ كَقَوْلِ مَنْ ضَعَّفَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ «كِتَابُ الْجِهَادِ» (2603) قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ حَدَّثَنِي شُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ، فَأَقْبَلَ اللَّيْلُ قَالَ: «يَا أَرْضُ، رَبِّي وَرَبُّكِ اللهُ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّكِ، وَشَرِّ مَا فِيكِ، وَشَرِّ مَا خُلِقَ فِيكِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَدِبُّ عَلَيْكِ، وَأَعُوذُ بِاللهِ مِنْ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ، وَمِنَ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ، وَمِنْ سَاكِنِ الْبَلَدِ، وَمِنْ وَالِدٍ وَمَا وَلَد».

إِذْ قَالَ: «هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ؛ الزُّبَيْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ:: مَقْبُولٌ، يَعْنِي عِنْدَ الْمُتَابَعَةِ وَإِلاَّ فَلَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، فَهُوَ ضَعِيفٌ»!.

قُلْتُ: وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْقِيَاسِ وَأَبْدَعِهِ، فَإِنَّ الْحَافِظَ ابْنَ حَجَرٍ لَمْ يَقْصُدْ ذَلِكَ وَلا أَرَادَهُ، وَلا دَلَّ أَحَدَاً عَلَى افْتِعَالِ قِيَاسٍ كَهَذَا لِلْحُكَمِ عَلَى حَدِيثٍ مَا بِالضَّعْفِ!. وَأَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ أَمْرَانِ:

[أَبْيَنُهُمَا] أَنَّ الْحَافِظَ لَمْ يُضَعِّفْ هَذَا الْحَدِيثَ، بَلْ حَسَّنَهُ لِذَاتِهِ فِي «نَتَائِجِ الأَفْكَارِ»، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَلاَّنَ فِي «الْفُتُوحَاتِ الرَّبَانِيَّةِ» (5/ 164).

[الثَّانِي] أَنَّ الْحَافِظَ إِنَّمَا قَالَ: الزُّبَيْرُ بْنُ الْوَلِيدِ مَقْبُولٌ، وَلَمْ يَقُلْ: الزُّبَيْرُ بْنُ الْوَلِيدِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا قَالَهُ مَنْ أَخْطَأَ فِي فَهْمِ مَقْصُودِ الْحَافِظِ مِنَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْحَافِظَ ذَكَرَ فِي تَقْرِيبِهِ الْمَقْبُولِينَ بِأَسْمَائِهِمْ وَكُنَاهُمْ وَطَبَقَاتِهِمْ، وَتَمَامُ عِدَّتِهِمْ عِنْدَهُ (1535 نَفْسَاً)، وَذَكَرَ كَذَلِكَ لَيِّنِي الْحَدِيثِ بِأَسْمَائِهِمْ وَكُنَاهُمْ وَطَبَقَاتِهِمْ، وَتَمَامُ عِدَّتِهِمْ عِنْدَهُ (118 نَفْسَاً).

فَلا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الْحَافِظَ حينَ وَصَفَ حَيَّةَ بْنَ حَابِسٍ التَّمِيمِيَّ بِقَوْلِهِ: مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ، أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ: لَيِّنُ الْحَدِيثِ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ مِنْ ذَا وَاضِحٌ جَلِيٌّ، وَلا يَحْتَاجُ إِلَى تَكَلُّفٍ، وَهُوَ: أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لأَدْرَجَهُ فِي عِدَادِ لَيِّنِي الْحَدِيثِ، وَلَمْ يُدْرِجْهُ فِي عِدَادِ الْمَقْبُولِينَ.

فَإِذَا انْضَافَ إِلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ هَذَا الثَّالِثُ الآتِي ذِكْرُهُ، ظَهَرَ بِوُضُوحٍ خَطَأُ هَذَا الْقِيَاسِ الْغَرِيبِ، وَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا خَاطِئَتَيْنِ.

[الثَّالِثُ] أَنَّ مَنْ وَصَفَهُمُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ بِلَيَّنِ الْحَدِيثِ لَيْسُوا ضُعَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِخْرَاجُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ حَيْزِ الضَّعْفِ كَافٍ لإِثْبَاتِ خَطَأِ الْقِيَاسِ الآنِفِ الذَّكْرِ، فَكَيْفَ وَقَدْ وَثَّقَ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ التَّعْدِيلِ الْعَشَرَاتِ مِنْ هَؤُلاءِ، وَتَلَقَّوْا أَحَادِيثَهُمْ بِالْقَبُولِ!.

وَلا يَغِيبَنَّ عَنْكَ: الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ أَبُو عُثْمَانَ الْمَدَنِيُّ، الَّذِي وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَالْعِجْلِيُّ وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالذَّهَبِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الأُصُولِ مِنْ «صَحِيحِهِ».

وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ حَجَرٍ: لَيِّنُ الْحَدِيثِ عَلَى إِرَادَةِ التَّوْثِيقِ لَهُ، كَمَا أَلْمَحَ إِلَيْهِ فِي «فَتْحِ الْبَارِي».

فَقَدْ ذَكَرَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد مِنْ طَرِيق حَيْوَةَ عَنْ أَبِي عُثْمَان الْوَلِيد بْن أَبِي الْوَلِيدِ عَنْ عَبْد الله بْن دِينَار عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْرَى الْفِرَى مَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَأَفْرَى الْفِرَى مَنْ أَرَى عَيْنَيْهِ فِي النَّوْمِ مَا لَمْ تَرَيَا، وَمَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الأَرْض». وَقَالَ: «وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ».

وَقَدْ ذَكَرْتُ مَنْ وُثِّقَ مِنْ هَؤُلاءِ، وَبَيَّنْتُ أَحَادِيثَهُمْ فِي مَبْحَثِ «مَبَاهِجُ النَّظَرْ بِبَيَانِ مَعْنَى لَيِّنُ الْحَدِيثِ عِنْدَ ابْنِ حَجَرْ» مِنْ كِتَابِنَا «الْمَنْهَجُ الْمَأْمُولْ بِبَيَانِ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ مَقْبُولْ».

وَيَتْبَعُ بِتَوْفِيقِ اللهِ تَعَالَى تَفْصِيلُ ذَا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير