تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن هنا نفهم موقف الصحابة عموماً والفاروق خصوصاً، فلقد ذهلوا جميعاً إلا الصديق عن هذا المعنى ولم يكن للفاروق صاحب المواقف المشهودة والموافقات المعدودة والشخصية المتميزة إلا الجرأة في عرض الأمر ومناقشته حتى مع النبي نفسه، والذي يقرأ الحوار كما ورد سياقه في كتب السيرة وكان واقفاً على طرف من شخصية الفاروق ودلالا ت الألفاظ في العربية لايظهر له شك في النبوة لدى الفاروق كما زعم الكاتب، بل يظهر اليقين بقوله: ((ألست برسول الله؟ قال: بلى، قال: أولسنا المسلمين؟ قال: بلى))

فهو ليس سؤال متشكك بالنبوة بل سؤال متيقن بها معتمد عليها في استفهامه التقريري، أما الشك فهو في الإجراء التنفيذي للتعامل مع المشركين وفق موازين القوة والشروط المتوازنة بحسب الظاهر الذي يدرك بالخبرة والنظر.

ولو رجع الكاتب إلى الشروح والمصادر المختلفة للسيرة وفقهها لتبين له الأمر.

وقد وضح الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح البخاري (5/ 346 _347) مناقشاً قول بعض الشراح: ((ولم يكن ذلك شكاً من عمر بل طلباً لكشف ماخفي عليه، وحثاً على إذلال الكفار لما عرف من قوته في نصرة الدين)) بقوله: ((إن أراد نفي الشك الدين فواضح، وقد وقع في رواية ابن إسحق أن أبا بكر لما قال: الزم غرزه فإنه رسول الله، قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله، وإن أراد نفي الشك في وجود المصلحة وعدمها فمردود)).

ثم يرجح ابن حجر أن الشك الواقع هو توقف من عمر رضي الله عنه ليقف على الحكمة في القصة وتنكشف عنه الشبهة، وذلك نظير قصته في الصلاة على عبد الله بن أبي رأس المنافقين عندما نزل الوحي يؤيد الفاروق (ولاتصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره) (التوبة 84)

أما هنا في الحد يبية فلم يطابق الحكم النازل اجتهاده رضي الله عنه، كعادته في موافقاته الشهيرة، فعمل الأعمال المذكورة في الرواية ((مازلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ ........ )) عساها تكون كفارة لما بدر منه، وهذا من شفافية الفاروق واتهامه لنفسه،وإلا فجميع ماصدر منه كان معذوراً فيه، بل هو مأجور لأنه مجتهد.

وبهذا يندفع ويتلاشى ماتوهمه الكاتب حتى صار ماقال فيه ابن حجر: ((إن أراد نفي الشك في الدين فواضح)) غير واضح لديه بل محلاًّ للبحث والتخمين في هذا العصر الذي انقلبت فيه المسلّمات مشكلات، فاللهم عونك.

ثانياً: وصف الفاروق بالخطأ في موقفه صحيح، ولكن يجب تقييد ذلك بأنه خطأ اجتهادي لاعتماده على الظاهر، وكونه صادقاً مخلصاً في دوافعه لايحتاج إلى بحث، أما كون ذلك شكّا في الدين نفسه وانتكاسة في الإيمان فقد ظهر بطلانه بما سلف، وبهذا يظهر تناقض الكاتب لأن

الصدق والإخلاص في الدوافع لايوصلان إلى الشك في النبوة و الانتكاس في الإيمان، أليس كذلك؟!!

أما تشبيه موقف الفاروق بشك نبي الله إبراهيم عليه السلام فعجيب، وهو يدل على خلل في فهم النصوص القرآنية لديه فضلاً عن الخلل في فهم السيرة ومواقف الصحابة، وليته استفتى كتب التفسير في ذلك قبل أن يخبط في هذا الأمر الخطير ويلقي الكلام عواهنه.

وخلاصة الموضوع أن إبراهيم عليه السلام لم يشك الشك الذي يريده الكاتب وهو التساوي بين الإثبات والنفي، وهذا خارج عن الإيمان الذي هو اليقين الجازم الذي لا يخالطه ريب، وقد جزم المحققون من المفسرين كابن كثير وغيره بأن خطابه لقومه كان على سبيل المناظرة لهم والتنزل

لإقامة الحجة عليهم بإبطال الفرض المزعوم والانتقال إلى مابعده بالتدريج إلى أن وصل إلى البرهان على صفات الإله الحق، وهذا يظهر من سياق الآيات ((قال ياقوم إني بريء مما تشركون)) ((وحاجه قومه))

((وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ..... )) (الأنعام 80 _83)

وقال بعض المفسرين إن ذلك كان على جهة ... الاستفهام الإنكاري، وثمة أقوال عديدة في توجيه الآيات تدور حول هذا المعنى وتنزيه خليل الله إبراهيم عن الشك في الإيمان (انظر تفسير الشوكاني 2/ 133 _ 134 والآلوسي 7/ 199)

أما قوله إن ذلك كان من قبيل عدم الثقة بالذات فمن أعجب العجب، وهل كان شخص من المسلمين أجرأ في رأيه و أوثق في فكره ونظره من الفاروق؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير