تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الحاكم وهو يتكلم عن الأحاديث المعنعنة فذكر حديثا ثم قال: ((هذا حديث رواته كوفيون وبصريون ممن لا يدلسون وليس ذلك من مذهبهم ورواياتهم سليمة وإن لم يذكروا السماع وأما ضد هذا من الحديث فمثاله ما حدثناه أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء أنا يعلى بن عبيد حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال ذكرنا ليلة القدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كم مضى من الشهر "، قلنا ثنتان وعشرون وبقي ثمان فقال: " مضى ثنتان وعشرون وبقى سبع اطلبوها الليلة الشهر تسع وعشرون "، ثم قال الحاكم: لم يسمع هذا الحديث الأعمش من أبي صالح وقد رواه أكثر أصحابه عنه هكذا منقطعا فأخبرني عبد الله بن محمد بن موسى ثنا محمد بن أيوب حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا خلاد الجعفي حدثني أبو مسلم عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش عن الأعمش عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال ذكرنا ليلة القدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كم مضى من الشهر قلنا ثنتان وعشرون وبقى ثمان فقال مضى ثنتان وعشرون وبقى سبع اطلبوها الليلة الشهر تسع وعشرون ")) [معرفة علوم الحديث ص 35].

ففي هذين المثالين السابقة تبين لك أن الأعمش قد دلس عن أبي صالح، فحمل كلام الذهبي على جميع النصوص لا يؤيده البحث العلمي، ففي المثال الأول دلس الأعمش رجلا مبهم، فاحتمال التدليس ما زال قائمة، ولا سيما أن الأعمش عن أبي صالح عن مالك الدار ليس من شرط البخاري أو مسلم.

قد يقول قائل أن محمد بن خازم أبا معاوية من أحفظ الناس لحديث الأعمش، فهو يحفظ حديثه الذي دلسه من الذي لم يدلسه، فالجواب: هذا ليس بلازم وقد ثبت أن أبا معاوية روى ما دلسه الأعمش فالمثال الأول المذكور آنفا أخرجه الترمذي قال: حدثنا هناد حدثنا أبو الأحوص وأبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث [سنن الترمذي ص 402/ 1]، فسقط هذا الاحتمال بالدليل القاطع.

العلة الثانية في الإسناد هي اختلافهم بين الوصل والإرسال فقد قال الخليلي في الإرشاد بعد ذكر هذا الأثر: ((يقال إن أبا صالح سمع مالك الدار هذا الحديث والباقون أرسلوه)) [ص 316/ 3]، فالأصل عند الخليلي الإرسال ووصله أبي صالح مخالفة للباقي كما نص الخليلي، وهذه علة قادح وهذا أيضا مما يجعل المرء يرتاب أكثر من عنعنة الأعمش.

وكلام الخليلي هذا رحمه الله يفتح لنا باب نقاش سماع أبي صالح السمان من مالك الدار، السمان مات سنة 101، وشهد الدار في عهد عثمان رضي الله عنه، وقال أبو زرعة: ((أبو صالح ذكوان عن أبي بكر الصديق مرسل. وذكوان عن عمر، مرسل؛ وقال: أبو صالح السمان لم يلق أبا ذر)) [المراسيل ص 57]، ومالك الدار أدرك أبا بكر رضي الله عنه بل قيل له إدراك، فهو من المخضرمين، لا نعلم متى وفاة على وجه التحديد غير أن الذهبي رحمه الله ذكره ضمن الطبقة السابعة في تاريخ الأسماء الذي توفوا سنة سبعين، والذي لم يذكر مصدره له المعلومة فهي اجتهاد منه قياس على أبي هريرة، ومعاوية وعائشة رضي الله عنهم، وهذا ليس بلازم، وكذلك لا نعلم على وجه التحديد متى ولد أبو صالح السمان، وعلى هذا يكون احتمال الانقطاع بين أبي صالح السمان ومالك الدار كبير جدا، ولم نجد طريقا واحدا صرح به بالسماع.

العلة الثالثة في الإسناد، وهي اختلاف فهم في مالك الدار نفسه فمنهم من يوثقه منهم من يجهله أي يجعله مجهول الحال، فمن الذي وثقوه ابن حبان فقد ذكره في الثقات [ص 384/ 1]، ومن الذين وثقوه أيضا الخليلي كما في الإرشاد قال: ((تابعي قديم متفق عليه اثنى عليه التابعون)) [ص 313/ 1]، وكذلك من الذين وثقوه ابن سعد قال: ((وكان معروفا)) [ص 12/ 5].

قلت: فأما توثيق ابن حبان فحاله معروف عند علماء الجرح والتعديل فإنهم لا يعتدون به لمنهجه في توثيق المجاهيل فذكره لمالك الدار في كتاب الثقات أمرة عادي لأنه يوافق اصطلاحه للثقة، فتوثيق ابن حبان لا يترقي حاله من جهالة الحال إلى الوثاقة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير