أن الأمثلة التي مثل بها أهل العلم في تدليس التسوية – حسب علمي – لا تخرج عن ذلك، فمن ذلك ما جاء في «العلل» لابن أبي حاتم الرازي (2/ 154 - 155) برقم (1957)، قال: سمعت أبي وذكر الحديث الذي رواه إسحاق بن راهوية عن بقية – قال: حدثني أبو وهب الأسدي، قال: حدثنا نافع عن ابن عمر، قال: «لا تحمدوا إسلام المر» حتى تعرفوا عقدة رأيه»، قال أبي: هذا الحديث له علَّة، قلَّ من يفهمها، روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو، عن إسحاق بن أبي فروة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعبيدالله بن عمرو كنيته «أبو وهب»، وهو أسدي، فكأنّ بقية بن الوليد كنّى عبيدالله بن عمرو، ونسبه إلى بني أسد؛ لكيلا يفطن به، حتى إذا ترك إسحاق بن أبي فروة من الوسط، لا يهتدي له، قال: وكان بقية من أفعل الناس لهذا، وأما ما قال إسحاق في روايته عن بقية عن أبي وهب: حدثنا نافع؛ فهو وهم.
غير أن وجهه عندي: أن إسحاق لعله حفظ عن بقية هذا الحديث، ولما يفطن لما عمل بقية من تركه إسحاق من الوسط، وتكنيته عبيدالله بن عمرو، فلم يفتقد (لفظ) بقية في قوله: حدثنا نافع أو عن نافع، اهـ.
وقد ساق الخطيب كلام أبي حاتم – هذا – بالإسناد إليه، ثم قال: وقول أبي حاتم كلُّه في هذا الحديث صحيح، وقد روى الحديث عن بقية كما شرح، قبل أن يغيره ويدلسه لإسحاق ... ، ثم ساق سنده إلى موسى بن سليمان، قال: ثنا بقية، قال: ثنا عبيدالله بن عمرو، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة، عن نافع عن ابن عمر، قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لا تعجبوا لإسلام امرئ حتى تعرفوا عقدة عقله». اهـ من «الكفاية» (ص:519 - 520).
وقد ذكر الإمام ابن رجب الحنبلي – يرحمه الله – عدة أحاديث يمثِّل بها على تدليس التسوية؛ لم يتجاوز فيها عمل المدلسين طبقة شيوخ شيوخهم، انظر «شرح علل الترمذي» (2/ 825 - 828).
وكذلك ذكر الحافظ ابن حجر – يرحمه الله – أمثلة تدل على ذلك، انظر «النكتب على ابن الصلاح» (2/ 618 - 620).
? الرابع: من الأمور التي حملتني على تغيير الجواب الأول -:
صنيع الحافظ ابن حجر يرحمه الله، يدل على أنه يُكتفى من مدلس تدليس التسوية؛ أن يصرح بالسماع من شيخه، وأن يصرح شيخُه بالسماع من شيخه:
• جاء في «النكت على ابن الصلاح» (1/ 293): الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، قال الحافظ: واشتمل حديث الأوزاعي على زيادة على حديث ابن عيينة، توقف الحكم بصحتها على تصريح الوليد بسماعه من الأوزاعي، وسماع الأوزاعيمنالزهي؛ لأنَّ الوليد بن مسلم من المدلسين على شيوخه، وعلى شيوخ شيوخه، اهـ.
• وفي (455 - 458) ما حاصله: أن الوليد بن مسلم، قال: ثنا أبو عمرو الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - ... ، فذكر الحديث في النهي عن التسمية بـ «الوليد»، قال الحافظ: وقد صرحت رواية بشر بن بكر بسماع الأوزاعي له من الزهري فأُمن ما يُخشى من أن الوليد بن مسلم دلس فيه تدليس التسوية، اهـ.
• وفي «نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار» (2/ 357 - 358).
من رواية بقية بن الوليد بن مسلم بن زياد، قال: سمعت أنس بن مالك ... فذكر حديثاً، قال الحافظ: وبقية صدوق، أخرج له مسلم، وإنما عابوا عليه التدليس والتسوية، وقد صرح بتحديث شيخه له، وبسماع شيخه، فانتفت الريبة، اهـ، وانظر أيضاً (1/ 117 - 118).
• وفي «التلخيص الحبير» (2/ 86) برقم (594) رواية بقية: ثني يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه – رفعه -: «من أدرك ركعة من صلاة الجمعة أو غيرها؛ فليضف إليها أُخرى، وقد تمت صلاته ... »، قال الحافظ: إن سلم من وهم بقية؛ ففيه تدليس التسوية؛ لأنَّه عنعن لشيخه ... ، اهـ مع أن بقية الإسناد بالعنعنة أيضاً، ولم يعرج على ذلك.
• وفي «موافقة الخُبر الخَبر من تخريج أحاديث المختصر» (1/ 98 - 99) رواية الوليد بن مسلم: ثنا الأوزاعي: ثني عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة ... ؛ فذكر حديثاً.
قال الحافظ: وإسناده على شرط الصحيح، فقد صرح الوليد فيه بالتحديث له ولشيخه؛ فأُمن التدليس والتسوية ... ، اهـ مع أن بقية الإسناد بالعنعنة.
• وفي (1/ 276) رواية بقية: عن مسلم بن خالد الزنجي، عن عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر ... ؛ فذكر حديثاً.
¥