قال الحافظ: هذا حديث غريب، تفرد به بقية عن مسلم – وهو ابن خالد الزنجي الفقيه المكي -، وهو صدوق؛ في حفظه مقال، وبقية صدوق، لكن يدلس ويسوي، وقد عنعنه عن شيخه وعن شيخ شيخه، اهـ، هذا مع أنَّ السند مسلسل بالعنعنةمنبقية إلى ابن عمر – رضي الله عنهما -.
• وفي (1/ 400) رواية بقية: ثنى الزبيدي: ثنى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده ... ؛ فذكر حديثاً، قال الحافظ: وأخرجه أحمد عن عبدالجبار بن محمد عن بقية، فوقع لنا بدلاً عالياً، ووقع عنده معنعناً، فتوقف فيه بعضهم لذلك، وقد زال بهذه الروايةمنتدليس بقية وتسويته، اهـ.
• وفي «الفتح» (2/ 463) الحديث رقم (973) ك/ العيدين، ب/ حمل العنزة ... رواية الوليد: ثنا أبو عمرو – هو الأوزاعي – قال: أخبرني نافع عن ابن عمر ... فذكر حديثاً، قال الحافظ: والوليد – المذكور هنا – هو ابن مسلم، وقد صرح بتحديث الأوزاعي له، وبتحديث نافع للأوزاعي، فأمن تدليس الوليد وتسويته، اهـ مع أن نافعاً عنعن عن ابن عمر، ولم يُعلَّه بذلك.
• وفي «النكت الظراف على الأطراف» (7/ 420) رواية بقية عن الوضين بن عطاء، عن محفوظ بن علقمة، عن عبدالرحمن بن عائذ الأزدي الشامي، عن علي؛ بحديث: «العينان وكاء السَّه، فمن نام؛ فليتوضأ»، وهذه الرواية أخرجها أبو داود وابن ماجه، كما ذكر المزي في «تحفة الأشراف».
قال الحافظ في حاشية «التحفة»: حديث: «العينان وكاء السَّه؛ قلت: أخرجه إسحاق في «مسنده» عن بقية: ثنا الوضين: ثني محفوظ، فأُمن تدليسه وتسويته، ا هـ.
فهذه عدة مواضع من صنيع الحافظ ابن حجر – يرحمه الله -؛ تدل على أن مدلس تدليس التسوية، إذا صرح بالسماع من شيخه، وذكر سماع شيخهمنشيخه، فإن هذا يجزئ، وتزول بذلك الريبة، ولو اعتنى باحث بجمع مثل هذه المواضع من كتب الحافظ – يرحمه الله -؛ فأرجو أن يظفر بشيء كثير.
إلا أن هناك مواضع توهم اشتراط التصريح في جميع الطبقات، وهي:
• ما جاء في «موافقة الخبر الخبر» (1/ 293) من رواية الوليد: ثنا الأوزاعي، قال: كتب إليّ قتادة عن أنس ... فذكر حديثاً، قال الحافظ: وأعله بعضهم بعلتين: الأولى تدليس الوليد وتسويته، وليست بواردة؛ لأنه صرح بالتحديث، فانتفى التدليس، وبيّن أن رواية الأوزاعي عن قتادة مكاتبة، فانتفت تسويته، وقد صرح قتادة بالتحديث عن أنس لهذا الحديث وسماعه له منه – كما سيأتي -، فانتفت التسوية ... ثم ذكر العلة الثانية.
وقول الحافظ – بعد ذكره تصريح قتادة بالتحديث عن أنس -: «فانتفت التسوية» مشكل؛ لأنه يدل بظاهره على اشتراط التصريح بالسماع أو نحوه إلى الصحابي، والمواضع السابقة عن الحافظ صريحة في عدم اعتبار ذلك؛ فلعل الحافظ قال ذلك لأن قتادة نفسه مدلّس، فلا بد أن يصرح بالسماع من شيخه، سواء كان في الإسناد إليه مدلس تدليس التسوية، أم لا، فلو كان قتادة غير مدلس لكان الإشكال معضلاً، ولو كان هذا الموضع مما يُحذر فيه من الوليد بن مسلم؛ فلماذا قال قبل ذلك: فانتفت تسويته؟ يعني الوليد، فهذا يدل على أن نهاية ما فعله الوليد في هذه الطبقة، بين الأوزاعي وقتادة فقط، يدلُّك على ذلك أن الحافظ قد مشَّى العنعنة في المواضع السابقة، لما كانت من غير المدلسين، وبهذا يلتئم كلام الحافظ – يرحمه الله -، - أو يقال: يحمل المبهم على المفصل المفسر الصريح -، والله أعلم.
• وفي (1/ 136 - 137) رواية الوليد بن مسلم: ثنا ثور بن يزيد: ثنا خالد بن معدان: ثنا عبدالرحمن بن عمرو، وحجر بن حجر قالا: أتينا العرباض بن سارية ... فذكر حديثاً.
قال الحافظ: وهذا حديث صحيح رجاله ثقات، قد جود الوليد بن مسلم إسناده، فصرح بالتحديث في جميعه، ولم ينفرد به مع ذلك، اهـ.
فقوله: «فصرح بالتحديث في جميعه» يوهم أن هذا لازم للوليد في كل حديث يرويه، وإلا توقفنا فيه، ولكن هذا النص ليس صريحاً في اشتراط ذلك، فيحمل على ما سبق التصريح به من الحافظ نفسه، وأيضاً فلا شك أن التصريح بالسماع من التجويد للسند – في الجملة – ولا يلزم من عدمه العلة مطلقاً، والله أعلم.
¥